كان وقع الوحي ونظرة النّبي إلى الملك شديدين على قلب النّبي صلّى الله عليه وسلّم فأخذه الخوف، وطلب التزمّل بثيابه أول ما جاءه جبريل عليه السّلام بالوحي خوفا منه، ثم زال ما به، وخوطب بالنّبوة والرسالة وأنس بجبريل عليه السّلام.
فيا أيها النّبي المتزمّل المتلفّف بثيابك، صلّ صلاة الليل أو صلاة التهجد بمقدار نصف الليل، بزيادة قليلة أو نقصان قليل، لا حرج عليك في ذلك، وهذا تخيير بين الثلث والنصف والثلثين. والليل: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. والأمر بقيام الليل في رأي جمهور أهل العلم: هو أمر على جهة النّدب، قد كان، ولم يفرض قط.
وقال بعضهم: كان فرضا في وقت نزول هذه الآية، إما على الجميع، وإما على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وحده حتى توفّي، وهذا هو الراجح.
ثم اقرأ القرآن على تمهّل، مع تبيين الحروف، ليكون عونا على فهم القرآن وتدبّره، وقوله: تَرْتِيلًا تأكيد في الإيجاب، وأنه لا بد للقارئ منه، ليستحضر المعاني.
والترتيل: أن يبين جميع الحروف، ويوفي حقها من الإشباع، كما كان يفعل النّبي صلّى الله عليه وسلّم. أخرج الحاكم وغيره عن البراء: «زيّنوا القرآن بأصواتكم».
إننا سنوحي إليك القرآن، وسننزله عليك، وفيه التكاليف الشاقة على البشر، والأوامر والنواهي الصعبة على النفس، من الفرائض والحدود، والحلال والحرام، وهو قول ثقيل يثقل العمل بشرائعه.
إن ناشئة الليل، أي قيام الليل، وهو الذي ينشأ بعد نوم، أشد موافقة ومصادفة للخشوع والإخلاص وتوافق القلب واللسان، فذلك يتجلى في هدوء الليل أكثر من أي وقت آخر، وهو أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهّمها، وأشد ثبوتا ورسوخا، وأقوم قولا وأثبت قراءة، لأنه بخلو البال من أشغال النهار يوافق قلب المرء لسانه، وفكره عبارته، فهذه مواطأة صحيحة.