كلا (كلمة ردع وزجر) لا ملجأ ولا معتصم من الله يعصمكم يومئذ، وإنما إلى الله ربكم المرجع والمصير، في الجنة أو في النار.
وفي ذلك اليوم يوم القيامة، يخبر الإنسان أثناء العرض والحساب بجميع أعماله التي قدمها من خير أو شرّ، قديمها وحديثها، أولها وآخرها، صغيرها وكبيرها.
والإنسان عالم بنفسه، لذا قال الله تعالى: بَلِ الْإِنْسانُ..
أي بل (وهو يفيد الإضراب بمعنى الترك، لا بمعنى إبطال القول الأول) إن الإنسان بعقله وفطرته حجة، وشاهد مبصر على نفسه، عالم بما فعله، فهو حجة كافية بينة على أعماله، ولو اعتذر وأنكر، وحاول تقديم المعاذير أي الأعذار، أي ولو اعتذر يومئذ بباطل لا يقبل منه. قال مجاهد: معاذيره: حجته، وقال ابن كثير: والصحيح قول مجاهد وأصحابه، كقوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) [الأنعام: ٦/ ٢٣]. وكقوله تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨) [المجادلة: ٥٨/ ١٨].
إن هذه الآيات التي يراد بها إثبات يوم القيامة تدلّ على عظمة الله وقدرته الخارقة، فهو سبحانه قادر على جمع عظام الإنسان المفتتة في أي مكان، وأعضائه المشتتة في أي موضع، وهذا في حدود العقل البشري مستبعد، لكن في مجال علم الله تعالى وقدرته أمر سهل يسير، غير مستبعد، بل هو واقع حتما.
والمفاجأة بالحقائق أمر صعب على النفوس، فيفاجأ المرء بتاريخه الطويل الذي سجّله في الدنيا، وتكون الكارثة أو النجاة، فإما إلى نار دائمة الاشتعال والتعذيب للكافرين، وإما إلى جنة دائمة النعيم والفضل الإلهي.
ولا مجال للمكابرة أو الاعتذار عن شيء فعله الإنسان، فلا يقبل العذر مهما