ينكر الله تعالى على المشركين المكيين وجميع العالم تساؤلهم عن القيامة، فعن أي شيء يسأل بعضهم بعضا؟ عن الخبر المهم العظيم الشأن، الذي اختلفوا في أمره، بين مكذب ومصدق، وكافر ومؤمن به، ومنكر ومقر، وشاكّ ومثبت: وهو يوم البعث من القبور بعد الموت. والمراد من الاستفهام: تفخيم الأمر وتعظيمه. وقوله تعالى: عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) متعلق ب يَتَساءَلُونَ، كأنه تعالى قال: لم يتساءلون عن هذا النبأ؟
كلا: كلمة ردع لهم وزجر، لا ينبغي لهم أن يختلفوا في شأن البعث، فهو حق لا ريب فيه، وليرتدعوا عن التساؤل، فإن جميع العالم سيعلمون عاقبة تكذيبهم أو إنكارهم. وكلمة (كلا) الثانية تأكيد للجملة الأولى. وهذا تهديد ووعيد. والبعث قائم حتما بقدرة الله، ومن مظاهر قدرته تعالى:
- كيف تنكرون البعث؟ وقد شاهدتم أدلة قدرة الله التامة، من جعل الأرض ممهدة مذللة للخلائق، كالمهد للصبي: وهو ما يمهد له من الفراش، للنوم والراحة، وجعل الجبال الراسيات كالأوتاد للأرض، لتسكن ولا تتحرك، وتهدأ ولا تضطرب بأهلها.
- وأوجدناكم في هذا العالم أصنافا: ذكورا وإناثا، لتحقيق التكاثر وإبقاء النوع الإنساني، وليتم التعاون والأنس بين الصنفين.
- وجعلنا نومكم راحة لأبدانكم، وقطعا لأعمالكم المتعبة في النهار، فبالنوم تتجدد القوى، وينشط العقل والجسد. والسبات: الانقطاع عن الحركة. وجعلنا الليل المظلم الهادئ سكنا تسكنون فيه، وكاللباس الذي يغطي بظلامه الأشياء والأجسام، فكما أن اللباس يغطي الجسد ويقيه من الحر والبرد، ويستر العورات، كذلك الليل يستتر فيه من أراد الاختفاء لقضاء مصالح لا تتوافر في النهار.