نزه الله وقدسه ومجده عن النقائص والأغيار المغايرة له جميعا وعما يقول المشركون، والمراد باسم ربك: المسمى وهو الرب، ويقصد بهذا الأمر: تنزيه الله تعالى مطلقا، والأعلى الأجل والأعظم من كل ما يصفه به الواصفون، فهو العالي والأعلى كالكبير والأكبر.
وصفات الرب الأعلى: أنه الذي خلق الكائنات جميعها، ومنها الإنسان، وسوّى كل مخلوق في أحسن الهيئات، فعدل قامته، وناسب بين أجزائه، وجعلها متناسقة محكمة، غير متفاوتة ولا مضطربة، فقوله: فَسَوَّى عدّل وأتقن.
والذي قدر لكل مخلوق ما يصلح له، من المقادير المخصوصة، فأرشده وعرفه وجوه الانتفاع بالأشياء. فقوله: قَدَّرَ معناه: التقدير والموازنة بين الأشياء.
والذي أنبت العشب الذي ترعاه الدواب، والنبات والزرع الذي يأكله الإنسان، ثم جعل ذلك المرعى بعد اخضراره باليا هشيما جافا أسود يابسا.
ثم وعد الله نبيه تثبيت القرآن في قلبه، فإنا سنجعلك أيها النبي قارئا، بأن نلهمك القراءة، فلا تنسى ما تقرؤه.
قال مجاهد والكلبي: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل عليه جبريل بالوحي، لم يفرغ جبريل من آخر الآية، حتى يتكلم النبي صلّى الله عليه وسلّم بأولها، مخافة أن ينساها، فنزلت: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) بعد ذلك شيئا، فقد كفيتكه.
وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس: فلم ينس بعد نزول هذه الآية حتى مات.
إنك ستحفظ القرآن المنزل إليك، ولا تنساه، إلا ما شاء الله أن تنساه، فإن أراد أن ينسيك شيئا، فعل. قال الحسن البصري وقتادة ومالك بن أنس: هذه الآية في معنى قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)
[القيامة: ٧٥/ ١٦- ١٨]. وعده الله تعالى أن يقرئه، وأخبره أنه لا ينسى نسيانا لا يكون بعده تذكّر فيذهب الآية، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يحرك شفتيه،