فيقول: ربي أهانني وأذلني. وهذا خطأ أيضا، فلا يصح للإنسان أن يعتقد أن حجب الرزق عنه إهانة له، وإذلال لنفسه.
وقوله: ابْتَلاهُ معناه: اختبره. ووَ نَعَّمَهُ معناه: جعله ذا نعمة.
والخلاصة: إن الإنعام على إنسان بشيء من المال والصحة والجاه والمركز مثلا ليس دليلا من الله على الرضا عنه. وليس حجب الرزق أو الفقر والتقتير دليلا على سخط الله وعقابه، وإنما ذلك ابتلاء، فحق من ابتلي بالغنى أن يشكر ويطيع، ومن ابتلي بالفقر أن يشكر ويصبر. وأما إكرام الله تعالى فهو بالتقوى، وإهانته فبالمعصية.
النفس اللوامة وتقصيرها والنفس المطمئنة ورضاها
ردع الله تعالى الإنسان الذي يخطئ الاعتقاد أو الظن في حالتي النعمة والإكرام، والنقمة والإهانة، وأوضح حقيقة تطلعات الإنسان وتصرفاته، فتراه لا يكرم اليتيم أو المحتاج، ولا يحض على إطعام المساكين، ويبادر إلى أكل الميراث بشدة، ويحب جمع المال، ثم يندم على كل ذلك يوم القيامة، ويلوم نفسه على تقصيرها، ويصطدم بالحقيقة: وهي ألا سلطان في الحساب والجزاء إلا لله تعالى. وهذا هو الغالب. وأما التقي الصالح المطمئن إلى صحة عمله وطاعة ربه، فيعود إلى ربه هادئ النفس، مطمئن البال، راضيا بما عمل، ومرضيا بما يجازى به، فيدخل في جنان الخلد مع عباد الله الأبرار. وهذا ما قررته الآيات الآتية:
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١٧ الى ٣٠]
كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١)
وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦)
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)
«١»