فيهما من قبح وحسن، لتمييز الخير من الشر. وقوله: فَأَلْهَمَها أي عرفها طرق ذلك.
وجواب القسم في قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ أي لقد أفلح، أي قد فاز بكل مطلوب، وظفر بكل محبوب، من زكى نفسه، فهذبها وطهرها ونماها بالخيرات، وعوّدها على التقوى والعمل الصالح، وخسر وخاب من أغوى نفسه وأهملها ولم يهذبها، وتركها تنغمس في المعاصي، ولم يتعهدها بالطاعة والعمل الصالح.
أي إن العذاب واقع على المكذبين بالحساب والجزاء الأخرى، لا محالة، فقد كذبت قبيلة ثمود بالحجر بين الشام والحجاز نبيها صالحا عليه السّلام بسبب طغيانها وبغيها، فإنه الذي حملها على التكذيب. والطغيان: مجاوزة الحد في المعاصي. وذلك حين قام أشقى ثمود: وهو قدار بن سالف، بعقر ناقة صالح عليه السّلام، بتحريض قومه ورضاهم بما يفعل، فكان عقرها دليلا على تكذيبهم جميعا لنبيهم، وبرهانا على صدق رسالته، حين حل بهم العذاب الذي أوعدهم به.
فقال لهم، أي لجماعة الأشقياء نبي الله صالح عليه السّلام: ذروا ناقة الله، واحذروا التعرض لها، أو أن تمسوها بسوء، واتركوها وما تشربه من الماء المخصص لها، بحسب القسمة المتفق عليها، لها شرب يوم، ولكم شرب يوم معلوم.
فكذبوه في تحذيره إياهم من العذاب، ولم يبالوا بما أنذرهم به من العقاب، فعقر الأشقى تلك الناقة، وقومه راضون بما فعل، فنسب العقر إليهم جميعا، فأطبق العذاب عليهم وأهلكهم الله بذنوبهم، وغضب عليهم، فدمرهم وعمهم بالعقاب، وسوى القبيلة في الهلاك، لم ينج منهم أحد، واستوت العقوبة على صغيرهم وكبيرهم، ولا يخاف هذا الأشقى من عاقبة فعله، فالفاعل يعود على أشقاها المنبعث، ويحتمل أن يكون الفاعل هو الله تعالى، أي فلا تبعة على الله تعالى في فعله


الصفحة التالية
Icon