فضل العلم على نوافل العبادة
ومما يؤيد حديث ابن ماجة، وهو أن الإنسان لأن يتعلم آية خير له من أن يصلي مائة ركعة، ويدل على أن معناه صحيح ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال لهم يوماً: (أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان؟ فيحصل على خلفة ناقة أو ناقتين سمينتين، في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ فقالوا: يا رسول الله! كلنا يحب ذلك -وبطحان: واد في المدينة- قالوا: كلنا يحب ذلك، قال: والذي نفسي بيده! لأن يغدو أحدكم إلى المسجد، فيتعلم آية أو آيتين خير له من أن يحصل على ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، ومن أعدادهن من الإبل) فالنبي يبين أن الذي يتعلم آية أو آيتين في المسجد، خير له من أن يحصل على ناقتين سمينتين في غير إثم ولا قطيعة رحم، فحديث ابن ماجة معناه صحيح، لكن سنده ضعيف، فالذي يتعلم آية من كتاب الله في المسجد، يتعلم الحديث، يتعلم مسألة فقهية، ويتعلم مسألة شرعية، ويتفقه ويتبصر في دينه، خير له من أن يذهب ليبيع ويشتري في الأراضي أو في الدكاكين أو في غيرها، حتى ولو حصل على ربح عظيم، فالذي يبيع ويشتري بعد المغرب، خير منه الذي يذهب إلى المسجد ليتعلم آية من كتاب الله، لأن كسبه أخروي، وذلك كسبه دنيوي وطلب العلم الشرعي أفضل من النوافل، ومن قيام الليل وقراءة القرآن؛ لأن الذي يصلي أو يحفظ القرآن هذا نفع قاصر عليه، لكن إذا تعلم فإنه يستفيد هو، ويفيد غيره.
فتعلم العلم وطلبه أفضل من نوافل العبادة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة قال: أنبأنا يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس].
ووكيع بن عدس يقال له: عدس، ويقال له: حدس بالحاء.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن عمه أبي رزين العقيلي واسمه: لقيط بن عامر أنه قال: يا رسول الله! أكلنا يرى ربه عز وجل يوم القيامة، وما آية ذلك في خلقه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس كلكم ينظر إلى القمر مخلياً به؟ قلنا: بلى، قال: فالله أعظم، قال: قلت يا رسول الله! كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه؟ قال: أما مررت بواد أهلك محلاً؟)] والمراد بقوله: (محلاً) يعني: جدبا ليس فيه نبات من قلة المطر، ومنه قول العامة: سنة محل، والسنة الجدباء يسمونها ممحلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(قال: أما مررت بواد أهلك محلاً؟ قال: بلى، قال: ثم مررت به يهتز خضراً؟ قال: بلى، قال: فكذلك يحيي الله الموتى وذلك آيته في خلقه) ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث حماد بن سلمة به].
أبو رزين هذا وافد بني المنتفق، وهو حديث طويل جداً قد ساقه العلامة ابن القيم في زاد المعاد في ذكره للوفود، وفيه ذكر البعث هو الشاهد من الحديث، وأن النبي ضرب له مثلاً فقال: (أما مررت بأرض جدباء ممحلة؟ ثم مررت عليها بعد ذلك، وقد نزل عليها المطر فاهتزت خضراً، قال: فكذلك يحيي الله الأرض بعد موتها).
وسأله عن رؤية الله يوم القيامة، فقال: (ذلك القمر آية من آيات الله، كلكم يراه مخلياً به)، فكل واحد يرى القمر مثل الكعب، يرفع رأسه ويراه، (فكذلك الناس يوم القيامة يرون الله فوقهم، لا يضامون في رؤيته).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم رواه الإمام أحمد أيضاً: حدثنا علي بن إسحاق أنبأنا ابن المبارك أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر عن سليمان بن موسى عن أبي رزين العقيلي قال: (أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله! كيف يحيي الله الموتى؟ قال: أمررت بأرض من أرض قومك مجدبة، ثم مررت بها مخصبة؟ قال: نعم، قال: كذلك النشور) والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عبيس بن مرحوم حدثنا بكير بن أبي السميط عن قتادة عن أبي الحجاج عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: من علم أن الله هو الحق المبين، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور دخل الجنة].
والله أعلم.
إن الإيمان الصادق يبعث على العمل، والإيمان الضعيف تحصل معه المعصية، فإذا علم الإنسان أن الله هو الحق المبين، وعلم أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يحيي من في القبور، فإن علمه وتصديقه الجازم يحمله على العمل، ويدخله الجنة.


الصفحة التالية
Icon