تقسيم الأضحية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد احتج بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الأضحية تجزأ ثلاثة أجزاء: فثلث لصاحبها يأكله منها، وثلث يهديه لأصحابه، وثلث يتصدق به على الفقراء؛ لأنه تعالى قال: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦]].
ذهب الحنابلة وجماعة إلى أن الأضحية تجزأ ثلاثة أجزاء، وكذلك العقيقة: ثلث يأكله وأهل بيته، وثلث يهديه، وثلث يتصدق به، وهذا من باب الاستحباب، ولكن لو أكلها كلها فعند الحنابلة: إن أكلها كلها إلا أوقية جاز، والأوقية مقدار قليل، ولو قطعة قصيرة، فإذا تصدق أو أخذ شيئاً منها ولو قطعة صغيرة كفى، وإذا أكلها كلها ضمن بمقدار أوقية يخرجه، وهذا من باب الاستحباب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي الحديث الصحيح: أن رسول الله ﷺ قال للناس: (إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا وادخروا ما بدا لكم)، وفي رواية: (فكلوا وادخروا وتصدقوا)، وفي رواية: (فكلوا وأطعموا وتصدقوا)].
نهى النبي ﷺ عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث من أجل الدافة، وهم الفقراء الذين دخلوا المدينة، ونهاهم أن يدخروا أكثر من ثلاثة أيام حتى يتصدقوا به على الفقراء، ثم بعد ذلك في السنة التي بعدها لما لم يكن هناك فقراء نسخ ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فكلوا وادخروا ما بدا لكم)، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة إلى أنه: إذا وجد فقراء مثل هؤلاء فلا يجوز الادخار فوق ثلاث؛ لأن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً، والعلة في النهي عن ادخار لحوم الأضاحي وجود الفقراء، فإذا وجد فقراء في مثل هذه الحال فلا يجوز الادخار فوق ثلاث، بل يجب أن يتصدق على الفقراء وإذا لم يوجد جاز الادخار فوق ثلاث.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والقول الثاني: أن المضحي يأكل النصف ويتصدق بالنصف؛ لقوله في الآية المتقدمة: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨]؛ ولقوله في الحديث: (فكلوا وادخروا وتصدقوا)، فإن أكل الكل فقيل: لا يضمن شيئاً، وبه قال ابن سريج من الشافعية، وقال بعضهم: يضمنها كلها بمثلها وقيمتها، وقيل يضمن نصفها، وقيل ثلثها، وقيل أدنى جزء منها وهو المشهور من مذهب الشافعي].
إذا أكلها كلها ولم يترك شيئاً فلم يطعم ولم يتصدق قيل: ليس عليه شيء، وذهب إلى هذا ابن سريج والمالكية، وقال بعضهم: يضمنها كلها، وقيل: يضمن النصف، وقيل: يضمن الثلث، وقيل: يضمن أقل شيء يعني مقدار أوقية، أي قطعة صغيرة، يضمن ثمنها ويتصدق بها على الفقراء، هذا عند الحنابلة؛ لأن الله تعالى أمر بالإطعام وهذا لم يطعم لأنه أكلها كلها فيضمن.
والقول بأنه يضمن بعض الشيء هو ظاهر الحديث، وله وجه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأما الجلود ففي مسند أحمد عن قتادة بن النعمان في حديث الأضاحي (فكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها)، ومن العلماء من رخص في بيعها، ومنهم من قال: يقاسم الفقراء ثمنها، والله أعلم].
الصواب: أنه لا يجوز بيع الجلود، لكن له أن يستفيد منها ويستمتع بها، كأن يدبغها ويجعلها قربة، أو يتصدق بها، والنبي ﷺ في حجة الوداع لما نحر من الإبل بيده الشريفة سبعة وثلاثين، ونحر علي رضي الله عنه ما غبر-أي: ما بقي- أمر بها فتصدق بها على الفقراء، وأمر أن يؤتى له في كل واحدة منها ببضعة فطبخت في قدر، فأكل منها وشرب من مرقها عليه الصلاة والسلام، وأمر أن يتصدق بلحومها وجلالها وجلودها على الفقراء جميعاً.
فالجلد: إما أن ينتفع بها، وإما أن يتصدق بها على الفقير، أما أن يبيعه فلا، ولا يقاسمه الفقراء، إما أن يستمتع به أو يدبغه ويجعله قربة، ويتصدق به، أو يهديه.
وله أن يعطيها ويجعلها بقصد الهدية؛ لأن الأضاحي يهدى منها، ويتصدق، ويؤكل، فإما أن يهدي الجلد، أو يتصدق به على الفقير، ولا يبيعه.
ومثله العقيقة.