الفوائد المستنبطة من الآيات الأولى من سورة الكهف
يستفاد من الآية عدة فوائد: الأولى: أن جميع المحامد ملك لله مستحقه له.
الثانية: أن الله سبحانه وتعالى هو أعرف المعارف، والله هو المألوه المستحق للعبادة، وهو ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وأنه مستحق لجميع العبادة وإفراده بها دون ما سواه، واسم الله مستلزم لجميع صفات الكمال، واسم الله لا يسمى به غيره، وأسماء الله مشتقة، كل اسم يثبت الاسم لله، فالله مشتق من الألوهية، والرحمن مستلزم صفة الرحمة، والعليم لصفة العلم، والقدير لصفة القدرة، والحليم لصفة الحلم وهكذا.
والإله هو المألوه الذي تألهه في القلوب محبة وإجلالاً وتعظيماً وخشية ورغبة ورهبة، فاسم الله فيه إثبات الألوهية لله، وهو مستلزم لجميع صفات الكمال، وكل عمل يراد به غير وجه الله فهو باطل، وكل محبوب سوى الله فهو محبوب بالباطل، وعبادة غيره وحب غيره تجلب الفساد، كما قال سبحانه: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢].
الفائدة الثالثة من الآية: أن القرآن الكريم منزل من عند الله عز وجل، وأن الله تكلم به بحرف يقرأ وبصوت يسمع، ولهذا قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [الكهف: ١] فالله تعالى أنزل القرآن على عبده وهو محمد ﷺ بواسطة جبرائيل، وتكلم سبحانه بالقرآن وسمعه جبرائيل من الله بحرف وصوت، فألقاه جبريل على قلب محمد، كما قال سبحانه وتعالى في الآيات الأخرى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٤] فهذه الآيات فيها الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن القرآن مخلوق، لأن الله أخبر أنه منزل، فالقرآن منزل غير مخلوق، ومن قال: القرآن مخلوق فهو كافر، كما قال العلماء، كالإمام أحمد وغيره، وقوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ فيه أن القرآن منزل غير مخلوق، وكما فيه الرد على المعتزلة، فإن فيه الرد على الأشاعرة الذين يقولون: القرآن ليس بحرف ولا صوت، وإنما هو معنى قائم بنفس الرب، والأشاعرة يقولون: القرآن غير منزل، وليس في المصاحف كلام الله، ولو داسه شخص بقدميه فليس فيه كتاب الله، أعوذ بالله؛ لأن كلام الله عندهم معنى قائم بنفسه، ويقولون: إن جبريل اضطره الله ففهم معنى قائماً بنفسه، فعبر بهذا القرآن، وهذا هو القول الأول للأشاعرة.
القول الثاني للأشاعرة: أن الذي عبر به محمد صلى الله عليه وسلم، والقول الثالث للأشاعرة: أن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، والله تعالى لم يتكلم بكلمة وليس بحرف.
نقول: قوله: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ)) فيه الرد على المعتزلة والأشاعرة؛ لأن القرآن منزل على النبي ﷺ من عند الله، كما قال تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي﴾ [النحل: ١٠٢].
فهذه الآية التي في أول سورة الكهف وما بعدها فيها أن القرآن منزل غير مخلوق.
وفيها إثبات العلو لله عز وجل، لأن القرآن منزل، والتنزيل يكون من الأعلى إلى الأسفل.
وفيها أن الله سبحانه وتعالى محمود على كل حال عند فواتح الأمور وخواتمها، وله الحمد في الأولى وفي الآخرة.
وفيها أن الله محمود على إنزال الكتاب العظيم؛ لأنه أعظم نعمة أنعم بها على الخلق، حيث أخرجهم به من الظلمات إلى النور.
وفيها أن الكتاب قيم لا اعوجاج فيه ولا زيغ، بل هو واضح جلي يهدي إلى الصراط المستقيم، ولهذا قال سبحانه ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا﴾ [الكهف: ١ - ٢] فكتاب الله قيم لا زيغ فيه ولا اعوجاج، بل هو واضح بين يهدي إلى الصراط المستقيم.
وفيها أن القرآن إنذار وبشارة، فهو إنذار للكافرين وبشارة للمؤمنين، ولهذا قال: ﴿قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الكهف: ٢] فالقرآن إنذار للكافرين وتبشير للمؤمنين.
وفيها أن المؤمنين هم الذين يعملون الصالحات.
وفيها إثبات الثواب على الأعمال، وأن المؤمن يجازى على أعماله بالثواب، والكافر يجازى على عمله بالعقاب.
وفيها أن القرآن إنذار للذين قالوا: اتخذ الله ولداً.
وفيها أن هذه الكلمة وهي قوله: ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ [البقرة: ١١٦] من أعظم الكفر والضلال، ولهذا بين الله تعالى أن هذا القرآن إنذار لمن قال: ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ [البقرة: ١١٦].
وفيها أن قائل هذه الكلمة لا مستند له ولا دليل، وإنما هو الافتراء والكذب، ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف: ٤ - ٥].
فهذه فوائد كلها مستنبط من الآيات.


الصفحة التالية
Icon