تفسير قوله تعالى: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم)
قال الله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا * إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [الكهف: ٦ - ٨].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يقول تعالى مسلياً لرسوله صلوات الله وسلامه عليه في حزنه على المشركين، لتركهم الإيمان وبعدهم عنه، كما قال تعالى ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨] وقال: ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ [الحجر: ٨٨] وقال: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٣].
باخع أي: مهلكن نفسك بحزنك عليهم، ولهذا قال: ((فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ)) يعني: القرآن، (أسفا) يقول: لا تهلك نفسك أسفاً.
قال قتادة: قاتل نفسك غضباً وحزناً عليهم، وقال مجاهد: جزعاً، والمعنى متقارب، أي: لا تأسف عليهم، بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات].
يقول تعالى في هذه الآية: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: ٦] المراد بالحديث في هذه الآية القرآن، ففيها عناية الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم، وفيها تسلية له، حتى تخفف من حزنه، قال تعالى: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨] وقال: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ﴾ [الشورى: ٤٨] وقال: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية: ٢٥ - ٢٦] وقال: ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ﴾ [المائدة: ٩٩] وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥] فالله تعالى يسلي نبيه ويصبره ويعتني به، لشدة شفقته ﷺ وحرصه على هدايتهم، حتى إنه من حرصه عليه الصلاة والسلام وحزنه على عدم إيمانهم يكاد يقتل نفسه، ولهذا قال سبحانه: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: ٦] وقال: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨] وقال: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] وذلك لما توفي عمه أبو طالب ومات على الشرك سلاه بهذه الآية، وهنا قال له سبحانه: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: ٦].