بيان معنى قوله تعالى: (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً)
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾، أي: هذا تفسير ما ضقت به ذرعاً، ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء، ولما أن فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل قال: ما لم (تسطع)، وقبل ذلك كان الإشكال قوياً ثقيلاً فقال: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾، فقابل الأثقل بالأثقل، والأخف بالأخف، كما قال تعالى: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ [الكهف: ٩٧]، وهو الصعود إلى أعلاه، ﴿وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ [الكهف: ٩٧]، وهو أشق من ذلك، فقابل كلاً بما يناسبه لفظاً ومعنى والله أعلم].
يعني: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ففي خرقه السفينة لما أنكر عليه إنكاراً أقل قابله بالأقل، حيث قال موسى: ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾، فقابله الخضر بقوله: ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾، ولما شدد عليه في الإنكار في المرة الثانية فقال: ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾، شدد عليه الخضر وأكده فقال: ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ﴾ فأتى بزيادة (لك)، وهنا لما كان الإشكال قوياً قال: ﴿لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾، فلما فسر له هذه الأشياء التي فعلها، وزال الإشكال قال: ﴿مَا لَمْ تَسْطِعْ﴾ وحذف التاء للتخفيف، وكذلك في يأجوج ومأجوج، حيث قال تعالى: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ [الكهف: ٩٧] يعني: ما استطاعوا أن يصعدوا إلى أعلى، لأن الصعود إلى أعلى خفيف، وأما النقب والخرق فقال عنه: ﴿وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ [الكهف: ٩٧]؛ لأن النقب أشد، وهذا يدل على ما قاله بعضهم من أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.


الصفحة التالية
Icon