تفسير قوله تعالى: (واذكر في الكتاب إدريس)
قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٦ - ٥٧]].
إسماعيل وصفه الله بأنه رسول نبي، ووصف إدريس بأنه صديق نبي، فدل على تفضيل إسماعيل على إدريس، عليهما الصلاة والسلام.
وكذلك تفضيل إسماعيل على أخيه إسحاق.
قال المؤلف رحمه الله: [ذكر إدريس عليه الصلاة والسلام بالثناء عليه؛ بأنه كان صديقاً نبياً، وأن الله رفعه مكاناً علياً.
وقد تقدم في الصحيح: (أن رسول الله ﷺ مر به في ليلة الإسراء وهو في السماء الرابعة).
وقد روى ابن جرير ههنا أثراً غريباً عجيباً فقال: حدثني يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس رضي الله عنهما كعباً وأنا حاضر، فقال له: ما قول الله عز وجل لإدريس: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧]، فقال كعب: أما إدريس فإن الله أوحى إليه أني أرفع لك كل يوم مثل عمل جميع بني آدم، فأحب أن يزداد عملاً فأتاه خليل له من الملائكة فقال له: إن الله أوحى إلي كذا وكذا، فكلم لي ملك الموت فليؤخرني حتى أزداد عملاً، فحمله بين جناحيه حتى صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاهم ملك الموت منحدراً، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس فقال: وأين إدريس؟ قال: هو ذا على ظهري، قال ملك الموت: العجب بعثت وقيل لي: اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟ فقبض روحه هناك، فذلك قول الله: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧]، هذا من أخبار كعب الأحبار الإسرائيليات وفي بعضه نكارة والله أعلم].
وهذا من أخبار بني إسرائيل، وكعب يخبر كثيراً عن بني إسرائيل وهو ممن أسلم من التابعين ويأخذ عن بني إسرائيل كثيراً، ولا يعتمد على مثل هذا.
ولكن ظاهر قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧]، المراد به المكانة الرفعية، أو الرفعة المعنوية، وأن له مكانة ومنزلة عند الله عز وجل، هذا هو ظاهر الآية.
أما كونه قبض في السماء الرابعة كما قاله كعب الأحبار، ولا يعتمد على هذا إلا بخبر صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
ولهذا قال الحافظ إن ابن جرير روى أثراً عجيباً غريباً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سأل كعباً فذكر نحو ما تقدم غير أنه قال لذلك الملك: هل لك أن تسأله -يعني: ملك الموت- كم بقي من أجلي لكي أزداد من العمل، وذكر باقيه، وفيه: أنه لما سأله عما بقي من أجله قال: لا أدري حتى أنظر، فنظر ثم قال: إنك تسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين، فنظر الملك تحت جناحه فإذا هو قد قبض عليه الصلاة والسلام، وهو لا يشعر به.
ثم رواه من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن إدريس ﷺ كان خياطاً، فكان لا يغرز إبرة إلا قال: سبحان الله، فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل عملاً منه، وذكر بقيته كالذي قبله أو نحوه.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] قال: إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى.
وقال سفيان عن منصور عن مجاهد: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] قال: السماء الرابعة.
وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] قال: رفع إلى السماء السادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك بن مزاحم.
وقال الحسن وغيره في قوله: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] قال: الجنة].
الأقرب أن معنى قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٧] أي: رفعناه مكاناً عليا في الجنة، أما هذه الآثار عن كعب فلا يعتمد عليها.
أما داود عليه السلام فهو الذي زاده آدم من عمره.


الصفحة التالية
Icon