تفسير قوله تعالى: (قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا)
قال الله تعالى: [﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه: ٩٢ - ٩٣]].
هذا كلام موسى بعد أن جاء من ميقات ربه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٤].
يخبر تعالى عن موسى عليه السلام حين رجع إلى قومه فرأى ما قد حدث فيهم من الأمر العظيم، فامتلأ عند ذلك غضباً، وألقى ما كان في يده من الألواح الإلهية، وأخذ برأس أخيه يجره إليه.
وقد قدمنا في سورة الأعراف بسط ذلك، وذكرنا هناك حديث: (ليس الخبر كالمعاينة)].
ليس الخبر كالمعاينة؛ لأن موسى لما أخبره الله أنهم عبدوا العجل تأثر قليلاً، لكنه لما رآهم بعينه يعبدون العجل وعاينهم اشتد غضبه وألقى الألواح وتكسرت.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وشرع يلوم أخاه هارون عليه السلام، فقال: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ﴾ [طه: ٩٢ - ٩٣] أي: فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع.
((أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي)) أي: فيما كنت قدمت إليك، وهو قوله: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٢].
((قَالَ يَبْنَؤُمَّ)) فترقق له بذكر الأم، مع أنه شقيقه لأبويه؛ لأن ذكر الأم ههنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف، ولهذا قال: ﴿يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي﴾ [طه: ٩٤]، هذا اعتذار من هارون عليه السلام لموسى عليهما السلام في سبب تأخره عنه، حيث لم يلحقه فيخبره بما كان من هذا الخطب الجسيم، قال: إني خشيت أن أتبعك فأخبرك بهذا فتقول لي: لم تركتهم وحدهم وفرقت بينهم؟ ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٤] أي: وما راعيت ما أمرتك به، حيث استخلفتك فيهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: وكان هارون هائباً مطيعاً له].


الصفحة التالية
Icon