تفسير قوله تعالى: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم)
قال الله تعالى: [﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٣١].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يقول تعالى لنبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه: لا تنظر إلى هؤلاء المترفين وأشباههم ونظرائهم وما هم فيه من النعم؛ فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة؛ لنختبرهم بذلك، وقليل من عبادي الشكور، وقال مجاهد: ((أزواجاً منهم)) يعني: الأغنياء، فقد آتاك الله خيراً مما آتاهم، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ [الحجر: ٨٧ - ٨٨]، وكذلك ما ادخره تعالى لرسوله في الدار الآخرة أمر عظيم لا يحد ولا يوصف، كما قال تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ [الضحى: ٥]، ولهذا قال: ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٣١]، وفي الصحيح: (أن عمر بن الخطاب لما دخل على رسول الله ﷺ في تلك المشربة التي كان قد اعتزل فيها نسائه)].
والمشربة هي الغرفة المرتفعة، وقد هجر نساءه عليه الصلاة والسلام شهراً واعتزلهن في غرفة مرتفعة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(حين آلى منهن، فرآه متوسداً مضطجعاً على رمال حصير وليس في البيت إلا صبرة من قرظ وأهب معلقة)].
وأهب معلقة: جمع إهاب، وهو جلد، فرآه عمر بن الخطاب وليس له فراش إلا الحصير وقد أثر في جسده، فبكى عمر رضي الله عنه، وقال: يا رسول الله! إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله أفضل الناس وهكذا يؤثر الحصير في جسدك؟ ولا يوجد شيء في البيت؟ فقام النبي ﷺ وقال (أفي شك يا ابن الخطاب؟! إن أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(فابتدرت عينا عمر بالبكاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ فقال: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه، فقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت طيباتهم في حياتهم الدنيا).
فكان ﷺ أزهد الناس في الدنيا مع القدرة عليها، وإذا حصلت له ينفقها هكذا وهكذا في عباد الله، ولم يدخر لنفسه شيئاً لغد.
قال ابن أبي حاتم: أنبأنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا، قالوا: وما زهرة الدنيا يا رسول الله؟! قال: بركات الأرض).
وقال قتادة والسدي: (زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا) [طه: ١٣١] يعني: زينة الحياة الدنيا.
وقال قتادة: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [طه: ١٣١] لنبتليهم.