تفسير قول الله تعالى: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون)
قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم.
﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ * مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: ١ - ٦].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [هذا تنبيه من الله عز وجل على اقتراب الساعة ودنوها، وأن الناس في غفلة عنها أي: لا يعملون لها ولا يستعدون من أجلها.
وقال النسائي: حدثنا أحمد بن نصر حدثنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (﴿فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١] قال: في الدنيا) وقال تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١].
وقال تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر: ١ - ٢]، وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن هانئ أبي نواس الشاعر أنه قال: أشعر الناس الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول: الناس في غفلاتهم ورحى المنية تطحن].
أبو العتاهية في أشعاره حكمة، وهو ليس جاهلياً.
وهذه الآية فيها تنبيه من الله سبحانه وتعالى لعباده أن ينتبهوا وأن يستعدوا للحساب بالعمل الصالح، فقوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ [الأنبياء: ١]، يعني: قرب ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١]، يعني: أكثرهم، فهذا أكثر أحوال الناس، فهم في غفلة معرضون عما خلقوا له؛ لانشغالهم بشهواتهم ودنياهم والحساب قريب، وما بين الإنسان وبين هذا إلا أن يقال: فلان مات.
فالواجب على كل إنسان أن يستعد للقاء الله تعالى بالعمل الصالح وإخلاص العبادة، وأداء الواجبات، وترك المحرمات، والاستقامة على دين الله، والوقوف عند حدود الله، فهذا تنبيه من الله تعالى لعباده وحث لهم على الاستعداد والانتباه وعدم الغفلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فقيل له: من أين أخذت هذا؟ قال: من قوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١].
وروى في ترجمة عامر بن ربيعة من طريق موسى بن عبيدة الآمدي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرم عامر مثواه وكلم فيه رسول الله ﷺ فجاءه الرجل فقال: (إني استقطعت من رسول الله ﷺ وادياً في العرب، وقد أردت أن اقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١]).
ثم أخبر تعالى أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله، والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار فقال: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ [الأنبياء: ٢] أي: جديد إنزاله ﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٢]، كما قال ابن عباس: ما لكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم وقد حرفوه وبدلوه وزادوا فيه ونقصوا منه وكتابكم أحدث الكتب بالله تقرءونه محضاً لم يشب، ورواه البخاري بنحوه].
قوله: (وروى) كأن الضمير يعود إلى ابن عساكر.
قوله تعالى: (محدث) يعني: جديداً، وليس فيه حجة لمن يقول إن القرآن مخلوق؛ لأن حدث الله ليس كحدث المخلوق؛ ولأن كلام الله لا يشابه كلام المخلوقين، وهو محدث يعني: جديد تكلم الله به وأنزله على نبيه.
وقد رد الإمام أحمد رحمه الله على الزنادقة في كتابه الرد على الزنادقة، وبين لهم أنه ليس لهم حجة ولا متعلق بهذه الآية قال: إن حدث الله لا يشبه حدث المخلوق، والجهمية والمعتزلة يقولون محدث، وهذا دليل على أن القرآن مخلوق محدث.