٢- يرى كثير من الفقهاء أن الحق واحد في أقوال المجتهدين، وليس الحق أو الصواب في جميع أقوالهم، بدليل قوله تعالى: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ فخص سليمان بالفهم، ولو كان الكل مصيبًا لم يكون لتخصيص سليمان عليه السلام بهذا التفهيم فائدة(١).
د- ابتكار في صناعة الأسلحة:
قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾
[الأنبياء: ٨٠].
كان داود عليه السلام أول من اتخذ الدروع وصنعها، وتعلمها الناس منه، وإنما كانت صفائح، فهو أول من سردها وحلقها، فأصبحت النعمة عليه نعمة على جميع المحاربين على الدوام أبد الدهر، فلزمهم شكر الله تعالى على النعمة.
وذلك يقتضي الشكر، لذا قال تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ أي على تيسير نعمة الدروع لكم، وأن تطيعوا رسول الله - ﷺ - فيما أمر به، والمراد: اشكروا الله على ما يسر عليكم من هذه النعمة.
وهذه الآية دليل على جواز اتخاذ الصنائع والأسباب، فالسبب سنة الله في خلقه، وهي شهادة للعمال وأهل الحرف والصنائع بأن العمل شرف، واتخاذ الحرفة كرامة، وهذه الآية فيها إشارة لحث أهل الإيمان على العمل والإبداع والأخذ بأسباب النصر على الأعداء، ومحاربة الفساد بإعداد الجيوش مقودة بقيم الإيمان وتعاليم الرحمن، وشريعة الديان.
قوله تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ - أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [سبأ: ١١، ١٠]، وكانت هذه هبة الله فوق الملك والسلطان، مع النبوة والاستخلاص، إن الله تعالى أنعم على عبده داود بتسييل الحديد له أو تعليمه كيف يسيل الحديد الذي هو مادة الإعمار والبناء والتصنيع، ولا شك في خطورة مادة الحديد في صناعة الحضارات وبناء الدول وفي حسم انتصارات الجيوش.