بدأ التمكين بتلك الإشارة: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً﴾ وقبل أن تنتهي الآية يجئ شكر داود وسليمان على هذه النعمة، وإعلان قيمتها وقدرها العظيم، فتبرز قيمة العلم، وعظمة المنة به من الله على العباد، وتفضيل من يؤتاه على كثير من عباد الله المؤمنين، ولا يذكر هنا نوع العلم وموضوعه؛ لأن جنس العلم هو المقصود بالإبراز والإظهار، وللإيحاء بأن العلم كله هبة من الله، وبأن اللائق بكل ذي علم أن يعرف مصدره، وأن يتوجه إلى الله بالحمد عليه، وأن ينفقه فيما يرضي الله الذي أنعم به وأعطاه، فلا يكون العلم مُبعدًا لصاحبه عن الله، ولا منسيًا له إياه، وهو بعض مننه وعطاياه وبعد الإشارة إلى الإنعام بمنة العلم على داود وسليمان، وحمدهما لله ربهما على منته وعرفانهما بقدرها وقيمتها يفرد سليمان بالحديث: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ [النمل: ١٦].
ب- مظاهر التمكين في دولة سليمان عليه السلام:
إن الله تعالى أنعم على عبده داود عليه السلام بالنبوة والملك، ثم ورثه ابنه سليمان عليه السلام، ومكن الله له من الملك والدولة، وأعطاه من النعائم ومظاهر الملك والعز والسلطة بحيث لا ينبغي لأحد من بعده أن يصل إلى ما وصل إليه، قال تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ - يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾[سبأ: ١٣، ١٢].


الصفحة التالية
Icon