٣- سعة الصدر في الاستماع إلى اعتذار المعتذر، وحجة المتخلف، وسليمان عليه السلام أنصت لاسترسال الهدهد حتى انتهى من قوله، رغم أن فيه نوع معاتبة لسليمان، وفيه نسبة عدم الإحاطة إليه: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ - إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ - وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ - أَلاَّ يَسْجُدُوا للهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ - اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ كل هذا وسليمان لا يقاطعه، ولا يكذبه، ولا يعنفه، حتى ينتهي من سرد الحجة، التي كانت مفاجأة ضخمة لسليمان عليه السلام.
٤- قبول الاعتذار ممن يعتذر في الظاهر، وإيكال سريرته إلى الله تعالى، فسليمان عليه السلام سكت عن المؤاخذة وانتقل إلى تحري الخبر، قال القرطبي رحمه الله: (هذا دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم، لأن سليمان لم يعاقب الهدهد حين اعتذر إليه) (١).
٥- التروي في تصديق الخبر؛ فهذا الذي حكاه الهدهد، أمر ليس بالسهل ولا باليسير، ثم إن الهدهد لا يجرؤ على اختلاق هذه القصة الطويلة، وهو يعلم تمكن سليمان من الرعية، ومقدرته على التأكد من صحة الأخبار، ومع ذلك لم يبادر عليه السلام إلى التصديق، كما أنه لم يتعجل التكذيب، بل قال: ﴿سَنَنظُرُ﴾ وهو من النظر، أو
التأمل والتحري(٢).

(١) المصدر نفسه (١٣/١٨٤).
(٢) تفسير الرازي (٢٤/١٩٣).


الصفحة التالية
Icon