- إن التوازن المدهش والخلاب في شخصية ذي القرنين؛ سببه إيمانه بالله تعالى واليوم الآخر، ولذلك لم تطغ قوته على عدالته، ولا سلطانه على رحمته، ولا غناه على تواضعه، وأصبح مستحقًا لتأييد الله وعونه؛ ولذلك أكرمه الله تعالى بالأخذ بأسباب التمكين والغلبة وهو تفضل من الله تعالى على عبده الصالح، فجعل له مكنة وقدرة على التصرف في الأرض من حيث التدبير والرأي وكثرة الجنود والهيبة والوقار(١).
وكذلك أكرمه بكثرة الأعوان والجنود وقذف الرعب في قلوب الأعداء وتسهيل السير عليه، وتعريفه فجاج الأرض واستيلائه على برها وبحرها(٢)، وتمكنه بذلك من تملك المشارق والمغارب من الأرض، فكل هذه الأمور لا تعطى لشخص عادي، ولا يمكن أن يحققها حاكم بحوله وقوته وذكائه مهما بلغ، إلا أن يكون مؤيدًا من الله، ذلك التأييد الذي ينصر الله به عباده المؤمنين، ويدل على هذه العناية أيضًا ضمير العظمة في قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [النمل: ٨٤] أي: أمده بكل ما أراده من مهمات ملكه ومقاصده المتعلقة بسلطانه، فزوده بعلم منازل الأرض وأعلامها وعرفه ألسنة الأقوام الذين كان يغزوهم، فكان لا يغزو قومًا إلا كلمهم بلسانهم(٣).

(١) انظر: روح المعاني (١٦/٣٠).
(٢) انظر: البحر المحيط (٦/١٥٩).
(٣) انظر: روح المعاني (١٦/٣١).


الصفحة التالية
Icon