لم يحدد القرآن الكريم نقطة الانطلاق فيها وحدد النهاية إلى مغرب الشمس، ووجد عندها قومًا، فدعاهم إلى الله تعالى، وسار فيهم بسيرة العدل والإصلاح، قال تعالى: ﴿أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا﴾ [الكهف: ٨٧].
إنها سياسة العدل التي تورث التمكين في الحكم والسلطة، وفي قلوب الناس الحب والتكريم للمستقيمين، وإدخال الرعب في قلوب أهل الفساد والظلم، فالمؤمن المستقيم يجد الكرامة والود والقرب من الحاكم، ويكون بطانته وموضع عطفه وثقته ورعاية مصالحه وتيسير أموره.
أما المعتدي المتجاوز للحد، المنحرف الذي يريد الفساد في الأرض فسيجد العذاب الرادع من الحاكم في الحياة الدنيا، ثم يرد إلى ربه يوم القيامة ليلقى العقوبة الأنكى بما اقترفت يداه في حياته الأولى.
ولم يعين السياق القوم الذين اتخذ فيهم ذو القرنين هذه السياسة الحكيمة كما أهمل ذكر المدة التي مكثها بينهم، والنتائج التي توصل إليها، وكأن الأمر المفروغ منه أن تثمر هذه السيرة العادلة، والمبادئ السامية حضارة ربانية وتقدمًا وسعادة وطمأنينة، لذا لا داعي لذكرها والوقوف عندها(١).
٢- الرحلة الثانية:
وهي رحلة المشرق حيث يصل إلى مكان يبرز لعين الرائي أن الشمس تطلع من خلف الأفق، ولم يحدد السياق أهو بحر أم يابسة؟ إلا أن القوم الذين كانوا عند مطلع الشمس كانوا في أرض مكشوفة بحيث لا يحجبهم عن شروقها مرتفعات جبلية أو أشجار سامقة، وذهب الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- إلى أن المقصود ﴿لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا﴾ [الكهف: ٩٠]، هي بلاد القطب الذي تكون فيه الشمس ستة شهور لا تغيب طوال هذه الشهور ولا يوجد ظلام يستر الشمس في هذه الأماكن(٢).

(١) انظر: مباحث في التفسير الموضوعي، ص ٣٠٥.
(٢) القصص القرآني في سورة الكهف ص٨٧.


الصفحة التالية
Icon