وبهذا يتبين لنا أن مفهوم الإيمان وحقيقته في القرآن والسنة، وفي مفهوم السلف، تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، قال سيد قطب رحمه الله في ظلاله: «إن حقيقة الإيمان التي يتحقق بها وعد الله حقيقة ضخمة تستغرق النشاط الإنساني كله، وتوجه النشاط الإنساني كله، فما تكاد تستقر في القلب حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط وبناء وإنشاء موجه كله إلى الله، لا يبتغي به صاحبه إلا وجه الله، وهي طاعة لله واستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة، لا يبقى معها هوى في النفس، ولا شهوة في القلب، ولا ميل في الفطرة إلا وهو تبع لما جاء به رسول الله - ﷺ - من عند الله.
فهو الإيمان الذي يستغرق الإنسان كله، بخواطر نفسه، وخلجات قلبه وأشواق روحه، وميول فطرته، وحركات جسمه، ولفتات جوارحه وسلوكه مع ربه في أهله، ومع الناس جميعًا.. يتمثل هذا في قول الله سبحانه في الآية نفسها تعليلاً للاستخلاف والتمكين والأمن»
(١).
لقد تقرر أن الإيمان عند علماء السلف قول باللسان واعتقاد بالجنان وفعل بالأركان.
والقول باللسان هو النطق بشهادة الحق وهي كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، وبذلك تنفي الإلهية عما سوى الله وتثبتها لله وحده(٢).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة «لا إله إلا الله»، وهي ملة إبراهيم الخليل عليه السلام وسائر الأنبياء والمرسلين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين) (٣)، أما شقها الثاني: محمد رسول الله، فمعناه تجريد متابعته - ﷺ - فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
ومن هنا كانت «لا إله إلا الله» ولاء وبراء، نفيًا وإثباتًا.

(١) ظلال القرآن (٤/٢٥٢٨).
(٢) انظر: فتح المجيد، ص٣٦.
(٣) مجموع فتاوى الإسلام (٢٨/٣٢).


الصفحة التالية
Icon