وهذا التقسيم في الحظر والإباحة لا يخرج شيئًا من أفعال الإنسان العادية من دائرة العبادة لله، ولكن ذلك يختلف في درجته ما بين عبادة محضة وعادة مشوبة بالعبادة، وعادة تتحول بالنية والقصد إلى عبادة، لأن المباحات يؤجر عليها بالنية والقصد الحسن إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة، أو المندوبة أو تكميلاً لشيء منهما) (١).
وقال النووي في شرحه لحديث «في بضع أحدكم صدقة»(٢): (وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنية الصادقة) (٣).
ومن ذلك يتضح: (أن الدين كله داخل في العبادة، والدين منهاج الله جاء ليسع الحياة كلها، وينظم جميع أمورها من أدب الأكل والشرب وقضاء الحاجة إلى بناء الدولة، وسياسة الحكم، وسياسة المال، وشئون المعاملات والعقوبات، وأصول العلاقات الدولية في السلم والحرب.
إن الشعائر التعبدية من صلاة، وصوم، وزكاة، لها أهميتها ومكانتها ولكنها ليست العبادة كلها؛ بل هي جزء من العبادة التي يريدها الله تعالى.
إن مقتضى العبادة المطالب بها الإنسان، أن يجعل المسلم أقواله وأفعاله وتصرفاته وسلوكه وعلاقاته مع الناس وفق المناهج والأوضاع التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، يفعل ذلك طاعة لله واستسلامًا لأمره..) (٤).

(١) انظر: حقيقة البدعة وأحكامها للغامدي (١/١٩).
(٢) رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (١/٦٩٧).
(٣) شرح النووي مع مسلم، كتاب الزكاة، باب كل نوع من المعروف صدقة (٧/٩٧).
(٤) مقاصد المكلفين، د. عمر الأشقر ص٤٦-٤٧.


الصفحة التالية
Icon