ثالثًا: إصلاح الجانب الاجتماعي:
ويظهر ذلك في الصلاة ودورها في إيجاد العلاقات الاجتماعية، وذلك واضح في الحكمة من صلاة الجماعة، لأن اجتماع المسلمين راغبين في الله، راجين، راهبين، مسلمين وجوههم إليه خاصية عجيبة في نزول البركات، وتدلي الرحمة، فيحدث التعاون، والتعارف، والوحدة والاجتماع على الخير.
ثم تأتي صلاة الجمعة: فتجمع أهل الحي على هيئة جامعة أكثر من ذلك في كل يوم جمعة، حيث شرع الله لنا خطبتها تذكيرًا وتعليمًا للمسلمين بما يصلح دينهم ودنياهم، كحد أدنى للتثقيف العام في أمور الدين، ثم تأتي صلاة العيد، فتجمع أهل المدينة كلها مرتين في السنة في عيد الفطر والأضحى، يخرجن الأبكار والعواتق(١)، بل والحيض يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى كما جاء في الحديث الصحيح الذي ترويه أم عطية(٢) رضي الله عنها قالت: «أمرنا أن نخرج العواتق وذوات الخدور»(٣).(٤)
هذا عدا ما شرعه الله تعالى لنا من صلوات جامعة في مناسبات شتى، كالاستسقاء والخسوف والكسوف والجنائز، والتراويح في رمضان، إن الصلاة -لو وعى المسلمون حقيقتها- لهي توجيه وتنظيم اجتماعي كامل، يتمثل فيه المجتمع الكبير، وبقدر ما يحسن المسلمون هذه الصلاة، وما تعنيه من معان وتوجيهات، بقدر ما يرجى لهم إحسان الحياة في اجتماعاتهم، ولا فرق في هذا المنهاج بين المسجد والمجتمع، فكلاهما تجمع يجب أن يخضع لدين الله وتعاليمه(٥).

(١) العواتق: جمع عاتقة وهي التي عتقت من الخدمة أو من قهر أبويها.
(٢) هي نسيبة بنت الحارث وقيل بنت كعب من فقهاء الصحابة ت ٧٠هـ، انظر: سير أعلام النبلاء (٢/٣١٨).
(٣) ذوات الخدور: الستور.
(٤) رواه البخاري، كتاب العيدين، باب: خروج النساء والحيض إلى المصلى (٢/٩).
(٥) انظر: المنهاج القرآني في التشريع: ٤٦٢.


الصفحة التالية
Icon