والمنافع المشهودة كلمة جامعة تشمل المنافع الروحية والمادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والاقتصادية وسائر ما يطلق عليه اسم (المنفعة)، وقد جعلت غاية من غايات الحج وتقديمها على ذكر الله تعالى إيذان ببالغ أهميتها في مراتب المنافع والحكم الشرعية، وإن من أعظم هذه الفوائد جمع أطراف الأمة المسلمة كل عام، وما يحققه من استنفار جزء من كل إقليم سنويًا ليركبوا الأخطار والأسفار، ويقطعوا السهول والقفار، أو يمتطوا الأجواء والبحار، ويتركوا الأولاد والأهل والديار فيجتمع المسلمون من أطراف الأرض، ويلتقي الشرقي بالمغربي، والمصري بالهندي، في مؤتمر جامع، ورحلة مباركة، وليحققوا عمليًا دعوة القرآن بالسير في الأرض، والسياحة في الآفاق، ومطالعة المشاهد المقدسة، ومنازل الوحي، وآثار النبوة منذ أبي الأنبياء إبراهيم إلى خاتمهم محمد - ﷺ - ثم مدارج الصحابة رضي الله عنهم، التي تهب على المسلمين منها روح الإخلاص، والبذل، والعطاء والانقياد المطلق لأمر الله عز وجل(١).
ومن ناحية أخرى فالحج نظام يوجب على الجميع زيًا واحدًا، وحركة واحدة، وكلمة واحدة، وطاعة واحدة. وبتثبيت الاعتقاد، والأخلاق وإصلاح الاجتماع تأخذ العبادات الإسلامية دورها العظيم في بناء الحياة الإنسانية على أرفع القواعد، وأنبل الغايات، وأكرمها وأطهرها، وتأخذ بالإنسان إلى أفق أرفع من التراب والطين، ومتاع الحياة الفانية، حيث تربطه بالحي الباقي، وبالنعيم الخالد، فهي غسيل مستمر لأدران المادة، وتهذيب لطغيانها، وعبادات الإسلام تقوم في أساسها على مراعاة الرقابة الإلهية، وابتغاء الآخرة، دون واسطة بين العبد وربه في العبادات كلها وتحرر الإنسان من عبودية الكهنوت وطقوسها ورسومها(٢).
(٢) المصدر نفسه: ٤٦٨.