المبحث الأول : سنة الأخذ بالأسباب وإرشاد القرآن للإعداد
أولاً: سنة الأخذ بالأسباب:
إن من أهم السنن الربانية التي ترتبط بعلاقة مباشرة مع سنن التمكين سنة الأخذ بالأسباب، ولذلك يجب على الأفراد والجماعات العاملة للتمكين لدين الله فهمها واستيعابها وإنزالها على أرض الواقع.
قال الإمام الرازي: أصل السبب في اللغة: الحبل، قالوا: ولا يدعي الحبل سببًا حتى ينزل ويصعد به، ومنه قوله تعالى: ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ...﴾ [الحج: ١٥]. ثم قيل لكل شيء سبب لأنك بسلوكه تصل الموضع الذي تريده، قال تعالى: ﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٥] أي طريقا، وأسباب السموات أبوابها، لأن الوصول إلى السماء يكون بدخولها، قال تعالى مخبرا عن فرعون: ﴿لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ - أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ﴾ [غافر: ٣٦ - ٣٧] والمودة بين القوم تسمى سببا لأنهم بها يتواصلون. والسبب في اصطلاح الشرع: ما يوصل إلى الشيء ولا يؤثر فيه كالوقت للصلاة(١).
واستعير السبب لكل ما يتوصل به إلى أمر من الأمور(٢)، إن سنة الأخذ بالأسباب مقررة في كتاب الله تعالى، ولقد وجه الله عباده المؤمنين إلى وجوب مراعاة هذه السنة في كل شئونهم الدنيوية والأخروية سواء.
قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: ١٠٥]
وقال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: ١٥]..
ولقد أخبرنا القرآن الكريم أن الله تعالى طلب من السيدة مريم أن تباشر
الأسباب وهي في أشد حالات ضعفها، قال تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ
عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾
[مريم: ٢٥].

(١) انظر: مفاتيح الغيب (٢/٦٢٦).
(٢) انظر: مفردات القرآن كتاب السين، ص٢٢٠، المعجم الوسيط، ص٤٢٦.


الصفحة التالية
Icon