«وهذا نفس المعنى الذي أشار إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين قال للكسالى القابعين في المسجد ينتظرون الرزق: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول: «اللهم ارزقني» وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وإن الله تعالى يقول: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ...﴾ [الجمعة: ١٠].
نعم، لابد من بذل الجهد، لأن الأخذ بالأسباب والكدح للحصول على ما يرغب الإنسان في تحقيقه هو ذاته من سنن الله تعالى...» (١).
وكذلك بالنسبة لأمر الآخرة، لابد من الأخذ بالأسباب حتى يصل الإنسان إلى ما يرجو من رحمة الله وجنته، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ [الإسراء: ١٩] لقد كان في وجدان الأمة الإسلامية في عصرها الزاهر أن إيمانها بقدرة الله - تعالى - المطلقة، وقضائه وقدره لا يتعارض مع اتخاذ الأسباب.
لقد كانوا يدركون أن لله - تعالى - سننا في هذا الكون وفي حياة البشر غير قابلة للتغيير، ومع أن لله تعالى سننا خارقة تملك أن تصنع كل شيء ولا يعجزها شيء إلا أن الله جلت قدرته قد قضى أن تكون سنته الجارية ثابتة في الحياة الدنيا، وأن تكون سننه الخارقة استثناء لها، وكلتاهما معلقة بمشيئة الله.
لذلك كان في حسهم أنه لابد لهم من مجاراة السنن الجارية إذا رغبوا في الوصول إلى نتيجة معينة في واقع حياتهم، أي أنه لابد من اتخاذ الأسباب المؤدية إلى النتائج بحسب تلك السنن الجارية(٢).

(١) حول تفسير التاريخ الإسلامي، ص٨٩.
(٢) انظر: مفاهيم ينبغي أن تصحح، ص٢٦٢، ٢٦٣.


الصفحة التالية
Icon