إن العلماء لا يحددون ويختارون عن طريق الانتخابات، ولا عن طريق التعيين الوظيفي، أو الشهادات الجامعية والدرجات والألقاب العلمية، فكأين من عالم في تاريخ الأمة تصدر وعلا ذكره، وأصبح إماما للأمة كلها، وهو لم يعرف المناصب، وما الإمام أحمد بن حنبل، وابن تيمية إلا مثل من هذا التاريخ الطويل.
وهذا لا يعني أن كل من عين في منصب علمي ليس بعالم، بل المراد أن المنصب ليس دليلا على العلم، وإلا فإن الشأن عندما يكون الحاكم خيرا، أن يكون الولاة، والقضاة، والمفتون كذلك، بل قد يوجد في عهد ظالم قضاة عادلون ومفتون ثقات(١).
وهناك ملاحظة مهمة جدا ألا وهي التفريق بين العلماء وبين ما قد يشتبه بهم.
فلابد من التفريق بين العلماء والقراء:
إن هناك بونًا شاسعًا بين القارئ للعلوم الشرعية والفقيه فيها.
إن القارئ لديه نتف وجزئيات أمسك بها من خلال قراءته لبعض الكتب، وإطلاعه على أقوال أهل العلم فهو لم يعان العلم، ولم يشافه العلماء، ولم يزاحمهم بالركب في الحِلَق، ولذلك فإنه وإن رأيته متضلعا في موضوع من موضوعات الفقه والشريعة إلا أنه يغلق عليه عندما يسأله في مسألة من مسائل العلم(٢).
أما العالم الفقيه فليس كأولئك، بل هو ذو فهم شامل عام للإسلام، وإطلاع على مجمل الأحكام الشرعية، فهو لم يقرأ نتفا، بل درس العلوم الشرعية دراسة شمولية عامة، فمر على مسائل العلم واستطاع تخريجها على أصولها وأصبحت لديه ملكة فهم النصوص، وعرف مقاصد الشريعة وأهدافها.
إن علمه لم يأته من قراءة ليلة، بل من سهر الليالي ومعاناة الأيام، فشأن العلماء أنهم لا يقفون عند حد في التعلم، بل هم دائمو الطلب، دائبو التعلم(٣).

(١) قواعد في التعامل مع العلماء، ص٢٨.
(٢) نفس المصدر السابق، ص ٣٢.
(٣) قواعد في التعامل مع العلماء، ص٣٣.


الصفحة التالية
Icon