الأمة، وفساد أحوالها، بصورة تنشر اليأس وتوصد أبواب الأمل في وجه أبناء الأمة الغيورين، وشاعت روح الهزيمة بين صفوفهم، وأصبحنا كثيرًا ما نسمع من يقول: ماذا نفعل؟ ضاع الإسلام والمسلمون!.. ويقفون على ذكريات الماضين ويتغنون بأمجادهم، فأدركت أن الأمر كبير، والقضية خطيرة ورأيت أن الأمة في أمسَّ الحاجة إلى ما يرد إليها ثقتها بربها، ومنهجها، في حاجة إلى من يوقظ الإيمان في قلبها، ويرشدها للأخذ بأسباب التمكين وشروطه، ويبين لها طبيعة الطريق، وكيفية السير فيه، ويوضح لها المعالم لتعرف كيف تعمل؟ وإلى أين تسير؟
إن الأمة في أشد الحاجة إلى فقه التمكين والعمل به، وعلى حد إطلاعي المحدود على هذا الفقه تعتبر أبحاثه جديدة؛ حيث بدأت الكتابة فيه والإشارة إلى أهميته مؤخرًا، وقد ظهرت بعض الكتب القيمة كالرسالة العلمية التي قُدمت للأزهر الشريف للباحث محمد يوسف بعنوان التمكين للأمة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم، وما كتبه الدكتور على جريشة في كتابه: دعوة الله بين التكوين، والدكتور على عبد الحليم في كتابه: فقه الدعوة إلى الله، وفقه المسئولية، وقد رأيت أن مادة فقه التمكين من أهم الأبحاث والأطروحات التي يجب أن يهتم بها الباحثون، ولذلك استعنت بالله ثم بشيوخي الكرام، وأخص بالذكر الدكتور أحمد محمد جيلي للخوض في بحر فقه التمكين.
إن مادة فقه التمكين في القرآن غزيرة جدًا بحيث نجد أن القرآن الكريم تكلم عن أنواع التمكين، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ﴾ [يوسف: ٢١]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ...﴾ [يوسف: ٥٦].