إن تحقق مبادئ العدالة والمساواة بين الأفراد، فإنها لا تحقق ما لم تقم على أساس من التآخي والمحبة فيما بينهم، بل إن هذه المبادئ لا تعدو أن تكون حينئذ مصدر أحقاد وضغائن تشيع بين أفراد ذلك المجتمع، ومن شأن الأحقاد والضغائن أن تحمل في طيها بذور الظلم والطغيان في أشد الصور والأشكال.
من أجل هذا اتخذ رسول الله - ﷺ - من حقيقة التآخي الذي أقامه بين المهاجرين والأنصار أساسا لمبادئ العدالة الاجتماعية التي قام على تطبيقها أعظم وأروع نظام اجتماعي في العالم، ولقد تدرجت مبادئ هذه العدالة فيما بعد بشكل أحكام وقوانين شرعية ملزمة.
ولكنها كلها إنما تأسست وقامت على تلك «الأرضية» الأولى، ألا وهي الأخوة الإسلامية ولولا هذه الأخوة العظيمة التي تأسست بدورها على حقيقة العقيدة الإسلامية لما كان لتلك المبادئ أي أثر تطبيقي وإيجابي في شد أزر المجتمع الإسلامي ودعم كيانه(١).
لم يكن ما أقامه الرسول - ﷺ - بين أصحابه من مبدأ التآخي مجرد شعار في كلمة أجراها على ألسنتهم، وإنما كان حقيقة عملية تتصل بواقع الحياة وبكل أوجه العلاقات القائمة بين الأنصار والمهاجرين، ولذلك جعل النبي - ﷺ - من هذه الأخوة مسئولية حقيقية تشيع بين هؤلاء الأخوة، وكانت هذه المسئولية محققة فيما بينهم على خير وجه. لقد كانت رابطة الأخوة بين الصحابة الكرام من أسباب قوتهم ونصرة الله لهم.
إن مناط الأخوة وأساسها، إنما هو رابط الإسلام وعقيدته الصحيحة وهي من أهم أسباب وحدة الصف، وقوة البنيان بين أفراد الأمة المسلمة التي تسعى لتحكيم شرع الله تعالى، كما لا ننسى أن من أسباب وحدة صفوف الأمة: العلم النافع، والإخلاص وتجريد المتابعة، وغير ذلك من الأسباب المعنوية التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله - ﷺ - لتوحيد صفوف الأمة إلا أنني ذكرت أهمها خوفا من الإطناب والإطالة.
إن التحابب بين المسلمين والحرص على روابط الأخوة المستمدة من الإيمان والعقيدة سر قوة الأمة، ومفتاح نجاحها.

(١) انظر: فقه السيرة، د. البوطي، ص٢٠١.


الصفحة التالية
Icon