إننا لا نجد في القرآن ولا في السُّنَّة أي ذكر لهؤلاء الظلمة، وماذا كان مصيرهم في الدنيا، ولله في ذلك حكمة قد تخفى علينا (١).. نعم وردت آية في آخر قصتهم فيها دعوة لهم وتحذير: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج: ١٠].
قال الحسن البصري (٢): «انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه، وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة». (٣)
أن هذه النهاية تحقق معنى من معاني الانتصار، مَنْ المنتصر؟ الذي نصر عقيدته ودين ربه، وحُرّق بضع دقائق، ثم انتقل إلى جنات النعيم، أو ذلك الذي تمتع بأيام في الحياة الدنيا ثم مآله - إن لم يتب - إلى عذاب جهنم وعذاب الحريق؟
هل هناك مقارنة بين الحريق الأول، والحريق الثاني.. حريق الدنيا وحريق الآخرة؟ إنها نقلة بعيدة، وبون شاسع، أما المؤمنون الذين حُرّقوا في الدنيا، فـ ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ﴾ [البروج: ١١]، وتعلن النتيجة التي لا مراء فيها ولا جدال: ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ أليس هذا هو الانتصار؟ (٤) هذا في الآخرة، وفي الدنيا تمكن المنهج من قلوب الناس وتم ظهوره.
(٢) هو سيد التابعين الحسن بن أبي الحسن يسار البصري الأنصاري مولاهم زاهد فاضل ثقة، كان من أفصح الناس وأجملهم، توفى ١١٠هـ وهو ابن ٨٨ (تهذيب التهذيب ٢/٢٦٣- ٢٧٠).
(٣) تفسير ابن كثير (٤/٤٩٦).
(٤) انظر: حقيقة الانتصار ص(٥٥).