اضطهد المكيون الرسول - ﷺ - حتى وصل بهم الأمر إلى التفكير في التخلص منه، قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠]، فأمره الله تعالى بالهجرة إلى المدينة قال تعالى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: ٤٠].
فخرج الرسول - ﷺ - ومعه أبو بكر الصديق متوجها إلى المدينة تنفيذا لأمر الله تعالى له، ولم يكن خروج الرسول - ﷺ - من مكة إلى المدينة خوفا ولا هربا من المشركين «بل تعليم للأمة ضرورة أخذ الحيطة في الأزمات وليقف على تحركات قريش ويعلم مقاصدهم ولينكشف ما اعتزموا عليه»(١).
وكان هذا العمل من الرسول - ﷺ - من أبلغ الأساليب الإعلامية في الإسلام وكانت له آثار إعلامية في داخل مكة وخارجها، فأهل مكة شعروا بأن هؤلاء لم يتركوا أهلهم ووطنهم وأموالهم إلا من أجل قوة إيمانهم بصدق ما هم عليه من حق. كما أن هذه الهجرة «أوجدت فراغًا كبيرًا في مكة، ولفت هذا الفراغ المكيين للتغييرات التي حدثت في مجتمعهم ومن أهمها.. ظهور هذا الدين(٢) ولم تقتصر آثار الهجرة على مكة وحدها «فإن وجود عناصر مكية في المدينة لفت انتباه جميع من فيها وفي ذلك إعلان كبير.. عن هذا الدين»(٣).
ومن هنا كانت الهجرة أسلوبًا إعلاميًّا فريدًا قل أن يكون له مثيل في التاريخ(٤).
٢- بناء المسجد:

(١) تفسير السعدي (٢/٢٣٦).
(٢) الإعلام في صدر الإسلام، عبد اللطيف حمزة، ص١٣٥.
(٣) المصدر نفسه، ص١٣٥.
(٤) انظر: الأسلوب الإعلامي في القرآن الكريم، ص٦٢.


الصفحة التالية
Icon