لقد خرج الوفد الإعلامي الإسلامي الأول للحبشة بخطة محكمة وتدبير مقصود لنشر الدعوة الإسلامية وإعلانها في كل مكان، حيث إن الرسول - ﷺ - أرسل كتابًا للنجاشي يشير فيه إلى البر بالمسلمين ويدعوه فيه إلى الإسلام (١).
وهكذا ترى أن اختيار الزمن والمكان لم يكن لمجرد الصدفة والهروب من شدة العذاب فقط، بل كان بعضهم في حماية قبيلة يستطيع البقاء في مكة دون إيذاء مهلك (٢).
وكان الوفد الإعلامي الأول أشبه بسفارة في أيامنا الحاضرة لكنها تحمل شعار لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتعمل جاهدة على نشره، لقد كان الهدف الأول من هجرة المسلمين إلى الحبشة حماية المستضعفين من أذى قريش، ودفع غربتهم المعنوية، وتأمينهم على دينهم، وفتح آفاق جديدة للدعوة إلى الله يشرف عليها المهاجرون، والحط من مكانة قريش عند سائر العرب، وإدانة موقفهم من الدعوة وحَمَلتها، يجعل الأحباش يسبقون قريشًا ويؤوون من طردتهم وأساءت إليهم من أشراف الناس، ومن ضعفائهم وغربائهم وهذه كلها آثار إيجابية، لا يضير أن يوجد إلى جوارها آثار سلبية قليلة، منها: أن إيواء الحبشة للمسلمين وطيب مقامهم بها أذكى نار الحقد لدى قريش، فضاعفت من حربها ومكرها، وعداوتها(٣).
وعندما تسامع المهاجرون بأن قريشًا قد أسلمت، وكفت عن إيذاء النبي - ﷺ - رجعوا، فوجدوا الأمر أشد مما كان، فأذن النبي - ﷺ - بالهجرة الثانية، فهاجر قرابة المائة ما بين رجل وامرأة واستقروا هناك(٤).

(١) انظر: الوفود الإعلامية في العصر المكي لعلى الأسطل، (١١٤).
(٢) المصدر نفسه، ص (١١٥).
(٣) انظر: الغرباء الأولون ص (١٧١).
(٤) المصدر نفسه، ص (١٦٩).


الصفحة التالية
Icon