فاستجاب الله - سبحانه - دعاء نبيه - ﷺ -، فأقبلت بشائر الفرج، فقد صرفهم الله بحوله وقوته، وزلزل أبدانهم وأنزل الرعب في قلوبهم وشتت جمعهم بالخلاف، ثم أرسل عليهم الريح الباردة الشديدة، وألقى الرعب في قلوبهم وأنزل جنودا من عنده سبحانه وتعالى، وكان - ﷺ - يتابع الأمر وأحب أن يتحرى عما حدث عن قرب فقال: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة» (١)، فاستعمل - ﷺ - أسلوب الترغيب وكرره ثلاث مرات، وعندما لم يجدِ هذا الأسلوب لجأ إلى أسلوب الجزم والحزم في الأمر، فعين واحدًا بنفسه فقال: «قم يا حذيفة فائتنا بخبر القوم، ولا تذعرهم عليّ».
وفي هذا معنى تربوي وهو أن القيادة الناجحة هي التي توجه جنودها إلى أهدافها عن طريق الترغيب والتشجيع، ولا تلجأ إلى الأمر والحزم إلا عند الضرورة.
قال حذيفة - رضي الله عنه -: «فمضيت كأنما أمشي في حمام فإذا أبو سفيان يصلى ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد القوس وأردت أن أرميه ثم ذكرت قول رسول الله - ﷺ -: لا تذعرهم علي، ولو رميته لأصبته فرجعت كأنما أمشي في حمام، فأتيت النبي - ﷺ - وأصابني البرد حين رجعت وقررت، فأخبرت رسول الله - ﷺ - فألبسني فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نائما حتى الصبح، فلما أن أصبح قال رسول الله - ﷺ -: «قم يا نومان» (٢).
ونستنبط من هذا الموقف دروسًا مهمة منها:
١- اختيار الرسول - ﷺ - حذيفة - رضي الله عنه - ليقوم بمهمة التجسس على الأحزاب يدل على معرفته - ﷺ - بمعادن الرجال، وأن معدن حذيفة معدن ثمين(٣)، فهو شجاع ولا يقوم بهذه الأعمال إلا من كان ذا شجاعة نادرة، فهذا العمل يكلفه حياته فلو اكتشفه الأعداء لكانت عقوبته الموت صلبا، ومع هذا أقدم على تنفيذ الأوامر.
٢- وضوح الأمر العسكري الذي وجهه الرسول - ﷺ - إلى حذيفة.

(١) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب (٣/١٤١٤) رقم ١٧٨٨.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) السيرة النبوية دراسة تحليلية، د. محمد أبو فارس، ص٣٦٦.


الصفحة التالية
Icon