فقال النجاشي: ماعدا عيسى ابن مريم مما قلت هذا العود، وأعطى النجاشي الأمان للمسلمين، فأقاموا مع خير جار في خير دار كما تقول أم سلمة رضي الله عنها (١).
إن مسارعة قريش لإرسال وفد لاستعادة المسلمين المهاجرين إلى الحبشة تدل على إدراكها لخطورة الموقف إذا ما حصل المسلمون على مأوى لهم يأمنون فيه، والحبشة نصرانية، وملكها عرف بالعدل، وهي قريبة من مكة، وكل ذلك يشكل خطرًا على قريش في المستقبل.
لقد فتحت جبهة جديدة لقريش انهزمت فيها معنويًا وسياسيًا وإعلاميًا أمام
ضربات المسلمين الموفقة، وخطواتهم المتزنة، وأساليبهم الرصينة من أجل تبليغ دعوة الله وإبلاغ رسالته.
لقد قاد المعركة السياسية والدعوية والعقدية جعفر بن أبي طالب، وكان صادق اللهجة، فصيح اللسان، قوي البيان، فتأثر النجاشي من قوله وخابت آمال قريش، وظهرت ملامح الإيمان في وجه النجاشي.
إن جعفر رضي الله عنه قاوم حملة قريش الإعلامية المضللة بكل دقة وموضوعية وصدق ونقل الأخبار والحقائق من مصادرها، فأعلن رضي الله عنه ما سمعه من
النبي - ﷺ - ردًا على سؤال النجاشي في أمر عيسى عليه السلام دون مداهنة أو مواربة أو نفاق، لقد تلألأ وجه النجاشي بالإيمان الصادق دون بطارقته وقال للمهاجرين: (اذهبوا فأنتم شيوم أرضى آمنون، من سبكم غرم -كررها ثلاثًا-، ما أحب أن لي دبرًا (٢) من ذهب، وأني آذيت رجلاً منكم. ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله منى الرشوة حين ردّ علىّ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه).
(٢) انظر: ابن هشام (١/٣٣٨).