إن الدعوة ليست محصورة في مجال معين، أو وسيلة واحدة، بل هي ميدان رحب ولها وسائل شتى، وذلك يعني أنه لابد من بذل جهود عظيمة ولابد من إدراك أن الداعية مهما تعددت مواهبه فإنها تقصر عن الإبداع والإتقان في كل مجال، فهناك من يستطيع الخطابة ويجيدها، وهناك من يحسن التأليف ويتقنه، وهناك من ينشر العلم ويدرسه، وهناك من يعرف العمل السياسي، وآخر يبدع في العمل الخيري، وهكذا ولا يتصور أن تغطى هذه المجالات إلا باستفراغ كل داعية جهده في مجال إتقانه ليحصل التكامل، ورحم الله الإمام مالكا إمام دار الهجرة الذي نصب نفسه في ميدان من أعظم ميادين الدعوة وهو نشر العلم الشرعي، فكتب إليه من يدعوه إلى غير ذلك(١) فقال: «إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح الله لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر»(٢).
ولا يشك أحد أن الأمة الإسلامية تشكو لخالقها قلة الدعاة وغلبة الجهل، وضياع العلم، وتفشي المنكرات مما تحتاج معه إلى جهود ضخمة لإصلاح الأحوال، ولا يكون ذلك إلا بالتعاون لاستثمار هذه الإمكانات بأقصى ما يمكن والإفادة من التجارب، وتبادل الخبرات.

(١) انظر: مقومات الداعية الناجح، د. علي بادحدح، ص١٤٧.
(٢) نزهة الفضلاء (٢/٦٢٥).


الصفحة التالية
Icon