وسنة التدرج ثابتة في التشريع الإسلامي بصورة بينة ملموسة، وهذا من تيسير الإسلام على البشر، إنه راعى معهم سنة التدرج فيما يشرعه لهم إيجابا وتحريما، فتجده حين فرض الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة فرضها على مراحل، ودرجات حتى انتهت إلى الصورة الأخيرة التي استقرت عليها(١).
ولقد أشارت السيدة عائشة رضي الله عنها إلى سنة التدرج في التشريع ونزول القرآن فقالت: «إنما أنزل القرآن سورا فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر ولا تزنوا لقالوا: لا ندع الخمر ولا الزنا أبدا»(٢).
وأوضح مثال معروف في هذه القضية هو التدرج في تحريم الخمر: فلقد كانت متغلغلة في نفوس الناس بصورة كبيرة، فكان من الحكمة أن يفطموا عنها
بطريقة تدريجية(٣).
وكان القضاء على الرق خاضعًا لسنة التدرج. يقول الدكتور القرضاوي: «ولعل رعاية الإسلام للتدرج هي التي جعلته لا يقدم على إلغاء نظام الرق الذي كان نظاما سائدا في العالم كله عند ظهور الإسلام، وكان محاولة إلغائه تؤدي إلى زلزلة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فكانت الحكمة في تضييق روافده، بل ردمها كلها، ما وجد إلى ذلك سبيلا، وتوسيع مصارفه إلى أقصى حد، فيكون ذلك بمثابة إلغاء الرق
بطريق التدرج»(٤).
(٢) رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: تأليف القرآن.
(٣) انظر: التمكين للأمة الإسلامية، ص٢٢٨.
(٤) الخصائص العامة للإسلام للقرضاوي، ص١٦٦ وما بعدها.