ولقد بعث الرسول - ﷺ - مع المبايعين مصعب بن عمير يعلمهم الدين ويقرؤهم القرآن، فكان يسمى في المدينة المقرئ وكان يؤمهم في الصلاة (١).
ولقد اختاره الرسول - ﷺ - عن علم بشخصيته من جهة، وعلم بالوضع القائم في المدينة من جهة أخرى، حيث كان رضي الله عنه بجانب حفظه لما نزل من القرآن، يملك من اللباقة والهدوء وحسن الخلق والحكمة قدرًا كبيرًا، فضلاً عن قوة إيمانه وشدة حماسه للدين، ولذلك تمكن خلال أشهر أن ينشر الإسلام في سائر بيوتات المدينة وأن يكسب للإسلام أنصارًا من كبار زعمائها، كسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وقد أسلم بإسلامهما خلق كثير من قومهم(٢).
لقد كانت دعوة مصعب رضي الله عنه في المدينة موفقة وحققت أهدافها، وشرع يشرح للناس تعاليم الدين الجديد وتعاليم القرآن الكريم وتفسيره، وتقوية الروابط الأخوية بين أفراد القبائل المؤمنة من ناحية، وبين النبي - ﷺ - وصحبه بمكة المكرمة، لإيجاد القاعدة الأمنية لانطلاق الدعوة. لقد كان الدور الإعلامي والتعليمي والتوجيهي الذي قام به مصعب في المدينة له أثر كبير لتهيئة الظروف للمرحلة التي بعدها، لقد فتحت المدينة بالقرآن وبالدعوة إلى الله، وأصبح ولاء كثير من الأوس والخزرج لعقيدة الإسلام وشريعة الرحمن وتشكل وفد من الأنصار لعقد البيعة الثانية مع النبي - ﷺ -، لتنتقل الدعوة إلى طور جديد ومرحلة أخرى.
لقد اهتم - ﷺ - ببناء الفرد المسلم الذي يحمل تكاليف الدعوة ويضحى من أجلها، ولذلك نجد جعفرًا يقوم بدور عظيم في تبليغ الدعوة وأداء الأمانة في أرض الحبشة، ونجد مصعبًا يفتح الله على يديه المدينة ويدخل كثير من أهلها في دعوة الإسلام.
إن النبي - ﷺ - في طور المرحلة المكية قام بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة على خير قيام وكانت عناية الله وحفظه له وتأييده ظاهرة للعيان.
(٢) المصدر نفسه (١/٤٣٥).