إن التجربة لها الأثر العظيم في اكتساب المهارات والخبرات وهي من أعظم اكتساب الحكمة، والتجربة لا تخرج الحكمة عن كونها فضلاً يؤتيه الله من يشاء، فإنه المعطي الوهاب ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾ [النحل: ٥٣] ولكنه سبحانه جعل لكل شيء سببا يوصل إليه، والتجربة في العلم اختبار منظم لظاهرة أو ظواهر يراد ملاحظتها ملاحظة دقيقة منهجية للكشف عن نتيجة ما، أو تحقيق غرض معين، وما يعمل أولا لتلافي النقص في شيء وإصلاحه(١)، ويقال: جربه تجربة: اختبره، ورجل مجرب، أي: عرف الأمور(٢)، تقول: جربت الشيء تجريبا: اختبرته مرة بعد أخرى، والاسم التجربة والجمع تجارب(٣).
وعن معاوية(٤) - رضي الله عنه - قال: «لا حكيم إلا ذو تجربة»(٥)، ومن المعلوم أن الحكيم لابد له من تجارب قد أحكمته، ولهذا قيل: «لا حليم إلا ذو كثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة»(٦).
وبهذا نقول إن الداعية إلى الله إذا خالط الناس، وعرف عاداتهم وتقاليدهم، وأخلاقهم الاجتماعية، ومواطن الضعف، والقوة سيركز على ما ينفع الناس، ويضع الأشياء في مواضعها، لأنه قد جربهم، فالتجارب تنمي المواهب والقدرات، وتزيد البصير صبرًا، والحليم حلما، وتجعل العاقل حكيما، وقد تشجع الجبان، وتسخي البخيل، وقد تلين قلب القاسي، وتقوي قلب الضعيف، ومن زادته التجارب عمى إلى عماه فهو من الحمقى الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون(٧).
(٢) القاموس المحيط، باب فصل جيم، ص٨٥.
(٣) المصباح المنير، مادة جرب، ص٥٩.
(٤) هو الصحابي كاتب الوحي وصهر الرسول - ﷺ -، تولى خلافة المسلمين وتوفي عام ٦٠هـ، سير أعلام النبلاء (٣/١١٩).
(٥) البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين (١٠/٥٢٩).
(٦) الترمذي، كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في التجارب (٤/٣٧٩).
(٧) انظر: هكذا علمتني الحياة، للسباعي، ص٤٧.