ثم بعد رعيهم الغنم جربوا الناس، وعرفوا طبائعهم، فازدادوا تجارب إلى تجاربهم، ولهذا قال موسى - ﷺ - لمحمد - ﷺ - عندما فرضت عليه الصلاة خمسين صلاة في كل يوم ليلة الإسراء والمعراج: «إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فما زال النبي - ﷺ - يراجع ربه ويضع عنه حتى أمر بخمس صلوات كل يوم» (١).
فموسى - ﷺ - قد جرب الناس، وعلم أن أمة محمد - ﷺ - أضعف من بني إسرائيل أجسادا، وأقل منهم قوة، والعادة أن ما يعجز عنه القوي فالضعيف من باب أولى(٢).
فالداعية بتجاربه بالسفر، ومعاشرته الجماهير، وتعرفه على عوائد الناس وعقائدهم، وأوضاعهم، ومشكلاتهم، واختلاف طبائعهم وقدراتهم، سيكون له الأثر الكبير في نجاح دعوته وابتعاده عن الوقوع في الخطأ، لأنه إذا وقع في خطأ في منهجه في الدعوة إلى الله، أو أموره الأخرى لا يقع فيه مرة أخرى، وإذا خدع مرة لم يخدع مرة أخرى، بل يستفيد من تجاربه وخبراته ولهذا قال - ﷺ -: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» (٣).
وقال: «كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون» (٤).
(٢) انظر: الحكمة في الدعوة إلى الله، ص١٠٥.
(٣) البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب: المعراج (٧/٢٠٢).
(٤) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا هناد (٤/٦٥٩).