«ومن الطبيعي أن يبدأ الرسول - ﷺ - دعوته العلنية بإنذار عشيرته الأقربين، إذ إن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية، فبدء الدعوة بالعشيرة قد يعين على نصرته وتأييده وحمايته، كما أن القيام بالدعوة في مكة لابد أن يكون له أثر خاص لما لهذا البلد من مركز ديني خطير، فجلبها إلى حظيرة الإسلام لابد أن يكون له وقع كبير على بقية القبائل، على أن هذا لا يعني أن رسالة الإسلام كانت في أدوارها الأولى محدودة بقريش، لأن الإسلام كما يتجلى من القرآن اتخذ الدعوة في قريش خطوة أولى لتحقيق رسالته العالمية»(١).
ولقد كانت النتيجة المباشرة لهذا الصدع هي الصد والإعراض والسخرية والإيذاء والتكذيب، والكيد المدبر المدروس، ولقد اشتد الصراع بين النبي - ﷺ - وصحبه، وبين شيوخ الوثنية وزعمائها، وأصبح الناس في مكة يتناقلون أخبار ذلك الصراع في كل مكان، وهذا في حد ذاته مكسب عظيم للدعوة، ساهم فيه أشد وألد أعدائها، ممن كانوا يشيعون في القبائل قالة السوء عنها، فليس كل الناس يسلمون بدعاوى القرشيين، بل كان يوجد من مختلف القبائل من يتابع الأخبار، ويتحرى الصواب فيظفر به.
وكانت الوسيلة الإعلامية في ذلك العصر تناقل الناس للأخبار مشافهة وسمع القاصي والداني بنبوة الرسول - ﷺ -، وأصبح هذا الحدث العظيم حديث الناس في كل مكان، وبدأ رسول الله - ﷺ - يشق طريقه لكسر الحصار المفروض على الدعوة، والانتقال بها إلى مواقع جديدة بعد أن رفضت قريش الاستجابة والانقياد للحق المبين(٢)، وكان موقفهم كموقف الأقوام السابقة من رسلهم وتعرض النبي - ﷺ - وأصحابه لسنة الابتلاء.
ثامنًا: سنة الابتلاء:
(٢) انظر: الفوائد لابن القيم، ص٢٨٣.