وبالرغم من أن الحصار الاقتصادي في شعب أبي طالب كان يشمل بني هاشم وبني عبد المطلب مسلمهم وكافرهم على السواء إلا أن هناك نوعا آخر من الحصار الاقتصادي مارسه كفار قريش على بقية المسلمين، فقد كان أبو لهب إذا ما قدمت القوافل التجارية إلى مكة يطوف الأسواق ويقول: يا معشر التجار غالوا على أصحاب محمد - ﷺ -.. فأنا ضامن أن لا خسارة عليكم.. فيزيدون عليهم في السلعة أضعافا حتى يرجع المسلم إلى أطفاله وهم يتصايحون من الجوع ليست في يديه شيء، ثم يذهب التجار إلى أبي لهب فيعوضهم في تجارتهم(١)، ومع هذا فلم يتراجع أحد منهم عن دينه، بل زاده ذلك العذاب صبرًا وتجلدا وعملا في سبيل دينه(٢).
١- الإيذاء الجسدي:
فقوى البغي والطغيان حينما تجد الثبات والصلابة عند المؤمنين قد بلغت مداها وأن الإيذاء النفسي والحصار الاقتصادي والاجتماعي، والعزل.. إلخ لا تجدي أمام صلابة الإيمان في نفوس الفئة المؤمنة، حينما تصبح تلك الصورة بارزة أمام قوى الطاغوت يطيش عقلها وتلجأ إلى البطش الجسدي مهما كلفها ذلك من عواقب(٣).
ونلاحظ هنا من خلال ما سبق أن البطش قد وجه ضد المؤمنين من أصحاب رسول الله - ﷺ -، فتعرضوا للتنكيل والتعذيب وتولت كل قبيلة شأن المسلمين من أبنائها سواء من الأحرار أم من العبيد، أم من النساء أم من الرجال، ومنهم من قتل تحت التعذيب كسمية أم عمار رضي الله عنهما، ولقد ضرب المسلمون الأوائل أروع المثل في الصبر وقوة التحمل(٤).
وكان - ﷺ - وهو في تلك المحن والشدائد والبلاء يربي أصحابه على:
- التأسي بالسابقين من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم في تحمل الأذى في سبيل الله ويضرب لهم الأمثلة في ذلك.

(١) انظر: الروض الأنف (٢/١٢٧، ١٢٨).
(٢) انظر: تاريخ صدر الإسلام، ص٤٤.
(٣)، (٣) المصدر نفسه ص٤٤.
(٤) تاريخ صدر الإسلام، ص٤٤.


الصفحة التالية
Icon