وهكذا تمر المحن والابتلاءات على الأفراد والجماعات لتصقل العاملين في ساحة العمل الإسلامي على مستوى الأفراد والجماعات، وتمضي هذه السنة في كل الأزمنة والأمكنة إلى عصرنا الحاضر، ويتعرض الدعاة إلى البلاء والمحن ويمضون في طريقهم المرسوم باستعلاء إيماني عظيم لا يبالون غير نصرة دينهم ورفع كلمة الله في الأرض، وينشد شاديهم في داخل السجون ومن وراء القضبان وهو يرى أفواج رفاقه تشنق رقابهم كل يوم وينتظر نفس المصير فلا يتزعزع الإيمان، وإنما يزداد صلابة وتشتاق النفس إلى خالقها، ورفقة النبيين والصديقين والصالحين والشهداء، ويبين الشادي المؤمن أن الحرية هي حرية القلب الذي خلقت عبوديته لخالقه وإن كبله أعداء الله بالقيود وأحاطوه بأسوار السجون والمعتقلات فهو يقول:

أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حر بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصما فماذا يضيرك كيد العبيد
ولا يخشى هذا الداعية الرباني على نفسه من الموت والعذاب تحت سياط الجلادين إنما الخوف من أن يسأم من الجهاد ويترك الكفاح فيطلق في إخوانه صرخته مذكرا لهم بواجب رفع الراية ومواساة المجاهدين وضحاياهم فيقول:
أخي هل تراك سئمت الكفاح وألقيت عن كاهليك السلاح
فمن للضحايا يواسي الجراح ويرفع رايتها من جديد
ويحث إخوانه بالاستمرار في طريق الدعوة والجهاد والحرص على رضا الله:
أخي فامض لا تلتفت للوراء طريقك قد خضبته الدماء
ولا تلتفت ههنا أو هناك ولا تتطلع لغير السماء(١)
إن طور البلاء لابد منه قبل التمكين، وتخرج الدعوة والدعاة بعد هذا الطور أصلب عودا وأقوى مما كانت عليه لتنطلق لتحطيم عروش الطغاة وتبدد الظلام لتبني حياة إسلامية صحيحة راشدة.
(١) انظر: الجهاد في سبيل الله (٢/٢٢٣) وهذا الشادي هو سيد قطب رحمه الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon