والواقع العملي يدلنا على أن أشكال الجهاد مرتبطة بعضها ببعض، فجهاد النفس هو في حقيقته، أصل تلك الأنواع جميعًا، وهي متفرعة عنه ومعتمدة عليه، فهو بذرتها، وهو شرطها، وهو عدتها، يقول ابن القيم - رحمه الله -: «ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا عن جهاد العبد نفسه في ذات الله، كما قال النبي - ﷺ -: «المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (١). كان جهاد النفس مقدمًا على جهاد العدو في الخارج وأصلا له، فإنه من لم يجاهد نفسه أولا، لتفعل ما أُمرت به، وتترك ما نُهيت عنه، ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج »(٢).
- وأما جهاد الشيطان فهو ضروري للتمكين من جهاد النفس، وجهاد أعداء الله في الخارج، لأن الشيطان عدو يثبط الإنسان عن جهاد نفسه وجهاد الكفار والمنافقين والفاسقين، ولابد للعبد من جهاده والتغلب عليه إذا أراد أن يتغلب على شهوات نفسه، وعلى كل عدو يصد عن سبيل الله: يقول ابن القيم بيانا لهذا المعنى بعد أن بين أهمية جهاد النفس وجهاد أعداء الله في خارج الإنسان: «وبينهما عدو ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما، ويخذله ويرجف به، ولا يزال يخيل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ، وفوت اللذات والمشتبهات، ولا يمكنه أن يجاهد ذينك العدوين إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل وهو الشيطان، قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ [فاطر: ٦] والأمر باتخاذه عدوا تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته..» (٣).

(١) زاد المعاد (٢/٣٨).
(٢) البخاري، كتاب الإيمان، باب: أمور الدين (١/١٠) رقم ١٠.
(٣) زاد المعاد (٢/٣٨).


الصفحة التالية
Icon