٣- استخدم النبي - ﷺ - أسلوب العفو عند المقدرة فأعلن العفو العام وأحسن إلى أهل مكة مما كان سببا في دخول كثير من زعمائهم الإسلام وتمكن الإيمان من قلوبهم من أمثال عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية.
٤- أصبح المسلمون قوة عظمى في جزيرة العرب، وبعد فتح مكة، وتحقق أمنية الرسول - ﷺ - بدخول قريش في الإسلام، برزت قوة كبرى في الجزيرة العربية لا يستطيع أي تجمع قبلي الوقوف في وجهها وهي مؤهلة لتوحيد العرب تحت راية الإسلام ثم الانطلاق إلى الأقطار المجاورة، لإزالة حكومات الظلم والطغيان، وتأمين الحرية لخلق الله كي يدخلوا في دين الله، ويعبدوه وحده من دون سواه(١).
٥- تمكين الله للمؤمنين الصادقين بعدما ضحوا بالغالي والنفيس وحققوا شروط التمكين وأخذوا بأسبابه، ولا ننسى تلك الصورة الرائعة وهي وقوف بلال فوق الكعبة مؤذنًا للصلاة بعد أن عذب في بطحاء مكة وهو يردد: أحد أحد في أغلاله وحديده ويجروه الصبيان، ها هو اليوم قد صعد فوق الكعبة ويرفع صوته الجميل بالأذان وهو في نشوة الإيمان، لقد قام النبي - ﷺ - بتبليغ الأمانة، وأداء الرسالة ولحق بالرفيق الأعلى فجزاه الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء، وجاء الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم، فتسلموا الراية، وساروا والمسلمون معهم على درب نبيهم - ﷺ - ما غيروا وما بدلوا، بل ثبتوا على دينهم واندفعوا في مشارق الأرض ومغاربها يبلغون دعوة الله إلى البشرية، فهدى الله بهم من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام.
وكانت فترة الخلافة الراشدة التي ما تجاوزت ثلاثين عاما قصيرة في عمر الزمن ولكنها في ميزان القيم أقل من عمر إمبراطورية ظلت قائمة في الأرض عشرة قرون، فقد كانت تلك السنوات القصيرة أعلى قمم صعدتها البشرية في تاريخها كله(٢).
(٢) انظر: حول التفسير الإسلامي للتاريخ، ص٢١٨.