التكبر والتجبر فإنه مفسدة نفسية عظيمة تتولد منها مفاسد جمّة من احتقار الناس والاستخفاف بحقوقهم وسوء معاشرتهم وبث عداوته فيهم، وخصوصًا إذا كان حاكمًا أو وليًا فيعامل الناس بالغلظة، وفي ذلك بث الرعب في نفوسهم من بطشه وجبروته، فهذه الصفة هي أم المفاسد وجماعها.
المفسدة الثانية:
جعل شعبه شيعًا قرب بعضهم وأبعد بعضهم، وتولدت بينهم مفاسد عظيمة من الحقد والحسد والوشاية والنميمة.
المفسدة الثالثة:
جعل طائفة من أهل مملكته في ذل وصغار واحتقار، عذبهم ونكل بهم ومنعهم من حقوقهم وجعلهم عبيدًا للطائفة المقربة لديه.
المفسدة الرابعة:
اجتهد في قتل أطفال الطائفة المعذبة من الذكور حتى لا يكون لبنى إسرائيل قوة من رجال قبيلتهم وحتى يكون النفوذ في الأرض لقومه خاصة.
المفسدة الخامسة:
كان يستحيي النساء أي يستبقى على حياة الإناث من الأطفال حتى يصبحن بغايا إذ ليس لهن أزواج. (وكان قوم فرعون يحتقرونهن ويأنفون أن يتزوجوا بهن ولم يبق لهن حظ من رجال القوم إلا قضاء الشهوة، فانقلب استحياء البنات إلى مفسدة عظيمة تصل إلى منزلة تذبيح الأبناء) (١).
وعندما كان فرعون يستعلى ويتكبر ويتعجرف على بنى إسرائيل كانت إرادة الله في تلك الأحداث تريد أن تجعل من بنى إسرائيل أمة عظيمة، وينتقم من فرعون وملئه، قال تعالى:﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ - وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرونَ﴾ [القصص: ٥، ٦].
﴿وَنُرِيدُ﴾ جئ بصيغة المضارع في حكاية إرادة مضت لاستحضار ذلك الوقت كأنه في الحال؛ لأن المعنى أن فرعون يطغى عليهم والله يريد من ذلك الوقت إبطال عمله وجعلهم أمة عظيمة.

(١) التحرير والتنوير (٢٠/٦٨-٧٠).


الصفحة التالية
Icon