﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾ [القصص: ١٥]، ثم توجه إلى ربه طالبًا مغفرته وعفوه: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾ واستجاب الله إلى ضراعته واستغفاره ﴿فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القصص: ١٧].
لقد أصبح موسى عليه السلام خائفًا يترقب في المدينة وإذا بالمعركة الثانية بين الإسرائيلي والفرعوني، وتدخل موسى عليه السلام لفض النزاع ووجه لومه إلى الذي من بنى قومه، وقال له: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾ [القصص: ١٨]، إلا أن الإسرائيلي ظن أن موسى يريد أن يبطش به، فوجه له تهمة وموسى برئ منها:﴿إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [القصص: ١٩].
إن موسى عليه السلام كان يرى أن المعارك الجانبية لا تفيد قومه، ولذلك وصف الذي من شيعته بأنه غوى: أي بعراكه هذا الذي لا ينتهي، واشتباكه الذي لا يثمر إلا إثارة الثائرة على بنى إسرائيل وهم عن الثورة الكاملة عاجزون، وعن الحركة المثمرة ضعفاء، فلا قيمة لمثل هذه الاشتباكات التي تضر ولا تنفع ولا تفيد (١).
وهذا درس عميق يفيد العاملين الذين يسعون لتمكين دين الله؛ عليهم أن يبتعدوا عن المعارك الجانبية وأن يوحدوا صفهم ويجمعوا قوتهم لساعة الصفر التي يعلو فيها نجم الإيمان وتنطمس فيها رايات الكفر والطغيان.
لقد تسرب خبر قتل موسى عليه السلام للقبطي واجتمع الفراعنة للبت في أمر موسى الذي ظهر لهم أنه رمز لثورة تحارب الظلم وتسعي لعز بنى إسرائيل وقرروا إلقاء القبض عليه.

(١) انظر: قصص الرحمن في ظلال القرآن، لأحمد فائز (٣/٦٤).


الصفحة التالية
Icon