وقد شعر القوم بالذل ومرارة الهزيمة والهوان، وكان هذا الشعور عند الجميع، العامة والملأ المالكين فيهم، فأرادوا أن يغيروا واقعهم الذليل، وأن يبدلوا ذلهم عزة وهزيمتهم نصرًا، وعلموا أن السبيل الوحيد لذلك هو الجهاد والقتال، لذلك لجأ الملأ الحاكمون فيهم إلى نبيهم، وفزعوا إليه، وطلبوا منه أن يختار لهم ملكًا يتولى أمورهم، ويقودهم إلى العزة والنصرة، ويقاتل لهم أعداءهم في سبيل الله. ويبدو أن ذلك النبي كان يعلم طبيعتهم المائعة وهمتهم الرخوة، وأنهم عندما يؤمرون بالقتال، فسوف ينكصون عنه ويقعدون عن خوضه، فقال لهم: أخشى عليكم الامتناع عن أمر الله عندما يأمركم بالجهاد، فردوا بحماسة بأنهم عازمون، وبينوا الأسباب التي تدعو إلى قتال أعدائهم، فبعد ذلك سأل نبيهم ربه، فأوحى إليهم أن طالوت ملكهم، فاحتجوا بحجج واهية نسفها لهم نبيهم وعندما جاء وقت الجد والكفاح والقتال والجهاد بدأوا في التساقط ولم يصبر مع طالوت إلا فئة قليلة سمعت وأطاعت واعتمدت على خالقها، فنصرهم الله على أعدائهم.
ولقد وقف العلماء على هذه القصة العظيمة يدرسونها ويغترفون من بحرها العميق دروسًا مفيدة في تكوين الأفراد وقيادة الجماعات وإحياء الشعوب والسعي بها نحو التمكين ومن أهم هذه الدروس والعبر: (١)
أولاً: مبهمات هذه القصة:
نلاحظ في هذه القصة مبهمات كثيرة لم يتعرض لها القرآن، لأنه لا فائدة في ذكرها، وإنما ذكر المولى عَزَّ وَجَلَّ ما يفيد المسلمين وأهل النظر والاعتبار.
إن في قصة طالوت نرى مبهمات كثيرة منها:
١- الزمان الذي وقعت فيه قصة طالوت، فكل ما يؤخذ من الآيات أنها وقعت لبنى إسرائيل من بعد موسى، يعنى بعد إقامتهم في فلسطين، أما تحديد السنة أو الفترة أو الحالة التي عليها بنو إسرائيل، فهذا لا يمكن تحديده.

(١) انظر: مع قصص السابقين في القرآن (١/٢٩٥، ٢٩٦).


الصفحة التالية
Icon