إن تحقيق حاكمية الله على الأمة من خلال دولة مسلمة هو محض العبودية لله، لأن بذلك يتحقق التوحيد ويقوم الدين، قال تعالى: ﴿أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٤٠] يعني: «ما الحكم الحق في الربوبية والعقائد والعبادات والمعاملات إلا لله وحده يوحيه لمن اصطفاه من رسله، لا يمكن لبشر أن يحكم فيه برأيه وهواه، ولا بعقله واستدلاله، ولا باجتهاده واستحسانه، فهذه القاعدة هي أساس دين الله تعالى على ألسنة جميع رسله لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة»(١).
ويقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله -: «لقد رسم يوسف عليه السلام بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة كل معالم هذا الدين، وكل مقومات هذه العقيدة، كما هز بها كل قوائم الشرك والطاغوت والجاهلية هزًّا شديدًا.
إن الطاغوت لا يقوم في الأرض إلا مدعيًا أخص خصائص الألوهية، وهي الربوبية، أي حق تعبيد الناس لأمره وشرعه، ودينونتهم لفكره وقانونه، وهو إذ يزاول هذا في عالم الواقع يدعيه - ولم ينطق بلسانه - فالعمل دليل أقوى من القول، وإن الطاغوت لا يقوم إلا في غيبة الدين القيم والعقيدة الصالحة عن قلوب الناس، فما يمكن أن يقوم وقد استقر في اعتقاد الناس فعلاً أن الحكم لله وحده، لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده، والخضوع للحكم عبادة، بل هي(٢) أصل مدلول العبادة»(٣).
(٢) هكذا الضمير في الأصل المطبوع (هي) ولعل الأوفق للسياق (هو).
(٣) في ظلال القرآن (٤/١٩٩١)