٤- مذهب العلماء والمجتهدين: قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾[النساء: ٨٣].
والآية دليل على الأخذ بالاجتهاد إذا عدم النص والإجماع(١)، ولأن العلماء في أمة محمد - ﷺ - كالأنبياء في بني إسرائيل، فهم المؤتمنون على نقل العلم، والمفوضون في استنباط الأحكام المتجددة في عمومات الشريعة، لا لعصمة اختصوا بها - فليس في الإسلام كهنوت - ولكن لأهليتهم في أن يسموا «أهل الذكر» والله تعالى يقول: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣].
فما ذهب إليه العلماء المجتهدون في الأمة وإن لم يكن حجة في ذاته، إلا أنه يساعد كثيرا في فهم روح الشريعة وقواعدها، ومعالجة ما يستجد من قضايا في ضوء هذا الفهم، ثم إن لهم القدرة على ضبط المناط في الأحكام وقياس الفروع على الأصول فيها(٢).
وعلماء القرون الأولى هم - ولا شك - المقدمون في هذا المضمار، ثم يقدم العالم كلما كان أكثر قربا من علماء السلف في الهدى والسمت وعمق الفهم، وغزارة العلم، فمذاهب العلماء المجتهدين هي رابع مصادر الدستور الإسلامي(٣).
إن الدستور الإسلامي للدولة الصالحة يشتمل على قواعد ونظم توضح نظام الحكم وتنظيم السلطات العامة وارتباط بعضها ببعض، وتحديد كل سلطة من السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية، والتنفيذية بكل دقة ووضوح، وتوضيح حقوق الأفراد على الدولة، وواجباتهم نحوها، والحقوق بكل تفصيلاتها معنوية ومادية، وكذلك الواجبات والالتزامات ووضع القوانين المفصلة للدستور مثل:

(١) انظر: تفسير القرطبي (٥/٢٩٢).
(٢) انظر: الدستور الإعلامي للمودودي، ص٥، ٦.
(٣) انظر: الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (٢/٥٤٢).


الصفحة التالية
Icon