وفي المجتمع الإسلامي تتقبل الآراء وفقا لجدارتها، وبمقدار انسجامها مع عقيدة الأمة ودستور الدولة، تلك الدولة التي من شأنها أن تمنح الأفراد قدرة على ابتكار الأفكار الجديدة، والآراء الناضجة، وأن الدولة التي تنفذ الأمور دون معرفة بالحقائق المتصلة بها، واستيعاب الظروف والملابسات المحيطة بها، ودون الالتفات إلى رأي الأمة وسماع وجهة نظرها عن طريق ممثليها إنما تقوم بمغامرة غير مأمونة في نتائجها، ولا سليمة في نهايتها، ولن تتوصل إلى حلول منطقية مبنية على أسس سليمة، ومن هنا فإن الإلمام بالواقع يمثل أمرًا شديد الأهمية في فن الحكم، فكل قرار سياسي مهما بلغت كفاءة الرئيس الذي يصدره ومكانته السياسية العالية - سوف يكون حتما وبالتأكيد قرارا خاطئا إن هو أخطأ في معرفة الواقع الذي يعالجه، وهذه القاعدة لا تنطبق على القرارات السياسية وحدها، بل تنطبق أيضا على كل قرار أيا كان نوعه وفي أي مجال من مجالات الحياة البشرية؛ في السياسة والإدارة، في الحياة العامة أو الخاصة على حد سواء، والقرآن الكريم يرشدنا إلى هذه الحقيقة في عدد من الآيات التي تؤكد على ضرورة التثبت والتبين والتأني والبعد عن الاستعجال، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: ٦] فهذه الآية تتضمن ضرورة الحرص على الإلمام بالحقيقة والواقع إلماما كاملا قبل إصدار القرارات في أي مجال من مجالات الحياة.


الصفحة التالية
Icon